الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ثقافة الانتاج والطاقات المعطلة

    هيثم احمد الخصاونة


    أشار تقرير لغرفة تجارة عمان نُشر مؤخراَ إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الأردني (GDP) نما عام 2021 بنسبة 3.5٪ بالأسعار الجارية، بعدما سجل تراجعا بنسبة 1.8٪ عام 2020 بسبب جائحة كورونا.

    بلغ الناتج المحلي الإجمالي الأردني في عام 2020 حوالي 32.123 مليار دينار بالأسعار الجارية أو 30.238 مليار دينار بالأسعار الثابتة (أي بعد استبعاد أثر التضخم)، في حين بلغ حوالي 31.050 مليار دينار في عام 2020 بالأسعار الجارية و 29.534 مليار دينار بالأسعار الثابتة، في حين بلغ معدل البطالة لدينا حوالي 23.5٪ في نهاية العام 2021.

    تقدر حصة الفرد الواحد من السكان في الأردن من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 (أي بقسمة هذا المبلغ على عدد السكان البالغ 10 مليون نسمة تقريباً) حوالي 4282 دولار (حسب بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي وبيانات الحسابات القومية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي) أي ما يعادل 3000 دينار سنويا أي حوالي 250 دينار شهريا. والأردن من الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة نسبياً حيث تبلغ حوالي 121 نسمة لكل كيلومتر مربع.

    لو أخذنا مثال آخر؛ دولة هولندا التي تتميز باقتصاد قوي نسبياً ومناخ رطب، ويعتمد اقتصادها على الصناعات الكيماوية وتكرير النفط والزراعة، وأهمها زراعة وتصدير الورد.

    تبلغ مساحة هولندا حوالي 41.543 ألف كم مربع. بلغ عدد السكان فيها في عام 2021 حوالي 17.173 مليون نسمة، وبلغت الكثافة السكانية فيها حوالي 412 نسمة لكل كيلو متر مربع، وتعتبر من الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة. بلغ الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في هولندا عام 2020 حوالي 912.2 مليار دولار، أي ما يعادل 650 مليار دينار اردني، أي (22) ضعف الناتج المحلي الإجمالي لدينا، وبلغت حصة الفرد حوالي 52.4 ألف دولار سنوياً، اي ما يعادل 37.2 الف دينار، وهو يعادل 12 ضعف حصة الفرد في الأردن. أما معدل البطالة في هولندا فقد بلغ حوالي 3.3٪ لعام 2021.

    بالتأكيد أن هناك اختلافات اجتماعية وسياسية وبيئية واقتصادية وثقافية بيننا وبين دولة مثل هولندا، فلكل دولة ومجتمع خصائص ومميزات قد لا تتوفر لدى مجتمع آخر، لكننا قد نستنتج من البيانات التي تخص الأردن، التي أشرنا إليها أعلاه، والتي تبين حجم الطاقات المعطلة وغير المستغلة، سواء كانت موارد بشرية أم طبيعية أم مساحات غير مستغلة، فإذا ما علمنا أن حجم القوى العاملة في الأردن قد بلغ عام 2020 حوالي 1.7 مليون عامل وعاملة، منهم 1.275مليون مشتغلين و324 ألف متعطل عن العمل، بالإضافة إلى حوالي 320 ألف عامل وافد مسجلين لدى وزارة العمل من جنسيات مختلفة، ومثلهم غير مسجلين أي يعملون من دون الحصول على تصاريح عمل.

    إن مواجهة مشكلة مستعصية كمشكلة ارتفاع معدلات البطالة، التي عانى منها الأردن منذ أواخر عقد الثمانينات، ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة بعد جائحة كورونا، وكذلك مشكلة انخفاض إنتاجية العامل الأردني؛ تبدأ أولا من العمل على رفع معدلات النمو الاقتصادي من خلال تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية ومعالجة مشكلة المديونية المرتفعة وإعداد الموازنات الحكومية ومعالجة الاختلالات المزمنة فيها وزيادة حجم الإنفاق الرأسمالي الحكومي واستقطاب وتشجيع الاستثمار المحلي والخارجي وتعديل التشريعات ودعم استقرارها وتعزيز استقلال القضاء. ولا بد أيضا من العمل على الاستفادة من المزايا النسبية التي تتوفر لدينا في بعض القطاعات المختلفة، مثل قطاعات الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والإنشاءات والسياحة والخدمات وغيرها، التي يمكنها أن توفر عشرات بل مئات الآلاف من فرص العمل.

    لو أخذنا على سبيل المثال؛ القطاع الزراعي في الأردن، فإن هذا القطاع قادر على توفير عشرات آلاف فرص العمل، وإذا ما علمنا ان المساحة الزراعية المستغلة في المملكة متدنية جداً، إذ أنها تبلغ حوالي 2.8 مليون دونم بنسبة 3.2٪ من مساحة المملكة، تتوزع في مناطق تتميز بمناخ يندر وجوده في العالم، مثل مناطق الأغوار والمناطق الشرقية والجنوبية، حيث يساعد مناخها والمياه الجوفية فيها على إمكانية توفير منتجات الخضار والفواكه على مدار العام، التي يمكن تصديرها لدول العالم، إذا ما استطعنا توفير أسواق خارجية شريطة الالتزام بأسس الإنتاج والتسويق المناسبة.

    إن معظم العاملين في هذا القطاع هم من غير الأردنيين، وهو من القطاعات التي يعزف الأردنيون عن العمل فيها، لكن لو جرى اتباع سياسات وبرامج مناسبة تهدف إلى إحلال العمال الاردنيين مكان العمال الوافدين، فيمكن توفير عشرات آلاف فرص العمل للأردنيين في هذا القطاع، إذا ما توفر لهم العمل اللائق والأجر المناسب والتدريب والتأهيل والحماية الاجتماعية اللازمة لتحفيزهم للانخراط في هذا القطاع.

    كما يتوجب أن تعمل السياسات الحكومية على تطوير هذا القطاع؛ من خلال دعم الصناعات المرتبطة بالانتاج والتصنيع الزراعي وصناعات التعبئة والتغليف والتخزين والتسويق، ولا بد من تطوير البنى التحتية لكي تخدم المناطق الزراعية بالشكل الصحيح، مع أهمية تبني سياسات للاصلاح الزراعي، وتوفير شبكات وبنى تحتية وطرق مواصلات مناسبة وسكك حديدية، وربما مطارات ودعم التحول لاستخدام الأساليب الحديثة في الزراعة ومكننة المهن الزراعية، الامر الذي سيوفر عشرات آلاف فرص العمل للأردنيين المتعطلين عن العمل.

    أما قطاعات السياحة وتكنولوجيا المعلومات والإنشاءات وغيرها؛ فهي قادرة ايضاً على توفير عشرات الآلاف من فرص العمل اللائقة، وقادرة على أن توفر رواتب وظروف عمل تناسب الأردنيين من كلا الجنسين، وقادرة على أن تستقطبهم لتخفف من معدلات الفقر والبطالة لديهم، بقصد تعزيز ورفع انتاجية العامل الأردني ورفع مستوى معيشته، كما لابد من توفير البرامج والمشاريع والتمويل اللازم لتنفيذها، وتدريب وتأهيل الأردنيين الباحثين عن العمل، لتمكينهم من الانخراط في سوق العمل وإشغال فرص العمل التي ستوفرها هذه القطاعات.





    [19-05-2022 10:53 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع