الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الأزمات الاقتصادية والركود العالمي المنتظر

    لم يتعافى العالم بعد من تبعات الأزمة الاقتصادية التي ولدتها جائحة الكورونا، ولم تنتعش الأسواق بعد حتى بدأت تلوح بالأفق بوادر انكماش اقتصادي في جميع بلدان العالم، بخاصة في الدول الكبرى التي تعاني في الوقت الحالي من هزات اقتصادية جراء الحرب الروسية – الأوكرانية وأزمة الطاقة، التي أدت إلى اضطراب سلاسل التوريد للسلع الاستراتيجية، كالنفط والغاز، الأمر الذي نتج عنه زيادة أسعار منتجات الطاقة التي زادت بنسبة 18.3% في شهر آذار الماضي حسب الاحصاءات الرسمية الأمريكية، التي أدت بدورها إلى زيادة كبيرة في أسعار كثير من السلع والخدمات، بالتالي تقلصت القدرة على الانفاق من قبل المستهلكين. عداك عن زيادة التضخم على مستوى العديد من الدول الرأسمالية، جراء طباعة المزيد من النقود غير المغطاة، بخاصة من قِبل الفدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبعض البنوك الأخرى في العالم في السنوات الماضية في ظل جائحة الكورونا.
    النتيجة أن أعداد العمالة المطلوبة بالمقارنة بفرص العمل المعروضة بالأسواق تضتعفت، مما أدى إلى نمو في مستوى الأجور بسبب مطالبات العمال وسط الارتفاع المسعور في أسعار السلع والخدمات، لكن يبقى الارتفاع بالأجور والرواتب أقل من مستويات التضخم، مما يثقل كاهل المواطن الأمريكي بأعباء معيشية ثقيلة. أما في أوروبا فقد أدى ارتفاع سعر منتوجات الطاقة والغذاء على السلع المستوردة، إلى تقليص قدرة المستهلكين على الإنفاق مما خفض الإنتاج للسلع بشكل عام على مستوى التصنيع. أما الصين فقد عاد إليها فيروس الكورونا مما أضطرها إلى انتهاج سياسة الإغلاق الكامل لبعض المناطق ومنها مدينة شنغهاي، التي يقطنها نحو 26 مليون نسمة. هذا الإغلاق الكامل قد يؤثر على الاقتصاد بشكل مباشر ما قد يؤدي إلى تقلص بسيط في الناتج المحلي الإجمالي حسب بعض المؤشرات الاقتصادية.

    في ظل تداعيات الأزمة العالمية نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية، والعقوبات القاسية التي فرضها الغرب على الاتحاد الروسي، جاء الرد الروسي قاسياً بالمقابل، وتجلى في تخليه عن الدولار في التعاملات التجارية التي تخص قطاع الطاقة أولاً واستبدال عملة التعامل من الدولار إلى الروبل، ومن ثم الانتقال إلى البضائع الأخرى كالقمح والأسمدة وغيرها. ومن ثم الحقها بربط الروبل في الذهب في خطوة استباقية اصابت الغرب في مقتل. وللخروج من الأزمة والتضخم الهائل في الاقتصاد تسعى الرأسمالية إلى انتهاج بعض السياسات قصيرة الأمد لمحاربة التضخم كرفع سعر الفائدة على الودائع والتي قد تصل إلى 3%مع نهاية العام الحالي أو في الربع الأول من العام القادم، وخاصة بعدما بلغ التضخم في أوروبا نحو 7.1%، وفي الولايات المتحدة مع نهاية شهر آذار الماضي بحدود 8.5%، وهذه أعلى نسبة وصل لها منذ أربعين عاماً.
    من الجدير بالذكر أن سياسة التيسير الكمي وطباعة المزيد من العملة غير المغطاة أصبحت غير مجدية بعدما جرت الولايات المتحدة العالم إلى حافة الهاوية. لكن في المقابل انتهاج سياسة رفع سعر الفائدة على الودائع هي سياسات مؤقتة ستدفع بتباطؤ النمو مما سيؤدي إلى دفع الاقتصاد إلى الركود في العامين المقبلين. وإذا أنشأت روسيا والصين نظاماً موازياً للدولار، فهذا يهدد بانهيار نظام الهيمنة الغربية القائم على الاستحواذ على الموارد المالية للدول النامية وسرقتها، وإذا بدأت هذه الدول بانتهاج سياسات مستقلة لتعزيز مكانتها في النظام العالمي ستكون قادرة على استقطاب الدول النامية وسيصبح النظام العالمي أكثر مساواة وأكثر عدلاً. فليس لدى الولايات المتحدة سوى مخرج واحد للمحافظة على بقائها كقطبية وحيده، وهو القضاء على روسيا والصين وهذا غير واقعي. فما يجنيه العالم الآن هو ثمرة للسياسات الرأسمالية الأمريكية المتوحشة، التي تعبر عن الأزمة البنيوية في النظام الرأسمالي المالي العالمي، الذي لا يسعى إلى إيجاد الحلول بل إلى ترحيل الأزمات وتأجيلها.





    [25-04-2022 12:21 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع