الرئيسية صوتنا

شارك من خلال الواتس اب
    في انتظار غودو

    أحداث اليوم - كتب : محمد ابو عريضة

    بعد أن أعيتني الحيلة في شراء احتياجات أسرتي من الخضار بأسعار معقولة، اقترحت على زوجتي أن تتفق مع جاراتها على شراء احتياجاتهن بالجملة، ومن ثَمّ يتقاسمن الكمية، كلٌ حسب مساهمتها. كأن نشنري صندوق بندورة، وتوزيعه على الجارات، لعل وعسى أن نتمكن من توفير بعض الدنانير في هذه الظروف القاسية. وهو ما كان؛ فبعد أن جمعت النسوة خمسة وثلاثين دينارًا، أخذتها وذهبت قبل يومين إلى سوق الخضار المركزي.

    لن أخوض في تفاصيل ما حدث معي في السوق، فقط أريد أن أقول أنني وقعت ضحية جهلي في ألاعيب التجار، وإذا بي أكتشف أنني لو اشتريتها بالمفرق لوفرت حوالي خمسة دنانير.

    ما دفعني لسرد هذه الحكاية، حكاية رجلين بائسين فقيرين هما مراد وعدنان -اسمان مستعاران-، وتقول الحكاية أنهما اتفقا على الإتجار بالخضار أمام السوق المركزي، بأن يشتريا صباح كل يوم عددًا من صناديق الخضار بالجملة، ويعرضانها على الرصيف لبيعها، ممنيان نفسيهما أن يربح الواحد منهما حفنة دنانير يستران بها عورة فقرهما في هذا الشهر الفضيل.

    اخترت مكانًا قصيًا بعيدًا عن "زحمة" الأقدام والمركبات، وأوقفت سيارتي، حيث رجلان، يبدو البؤس في هيئتهما، يضعان عددًا من صناديق البندورة على الأرض. اقتربت وسألت عن سعر البندورة، فقال الأول بخمسة دنانير، وفيها ثمانية كيلوغرامات، فقلت إنها ليست بندورة معلقة ولا لوزية، المستثناة من السقوف السعرية، التي حددها وزير الصناعة والتجارة للبندورة بستين قرشًا، وهذا يعني أن ثمن الصندوق أكثر من السعر الأعلى المحدد من الحكومة.

    أقسم الثاني أنهما اشتريا عشرين صندوقًا صباح اليوم بأربعة دنانير ونصف الدينار للصندوق الواحد، وربحهما نصف دينار في الصندوق. وأنهما إذا التزما بالسقوف السعرية، سيخسران، وهذا ما لا يحتملانه.

    بؤسهما وهيئتهما المزرية، حركا داخلي حسي الصحافي، فوقفت معهما نصف ساعة؛ سألتهما عن أدق تفاصيل عملهما، وإذا بي اكتشف أنهما ليسا بائسين وفقيرين مربوطين بـ"طاحونة" يدوران معها بلا توقف، ويتعرضان كل يوم لشتى أصناف الإذلال والقهر منذ خروجهما فجرًا من بيتهما، وحتى عودتهما مساءً، فحسب، بل هما ضحية لمجموعة من فارضي الأتاوات.

    كل مجموعة من فارضي الأتاوات، كما قالا، تحتل مساحة من الأرصفة، تفرض على كل من يرغب في عرض صناديق الخضار والفواكه مبلغًا مقطوعًا، حسب المكان والكمية المعروضة، وهو الأمر جعلهما يختاران مكانًا بعيدًا، حتى لا يدفعان مبلغًا يفوق قدراتهما.

    ذكرتني حكاية مراد وعدنان بمسرحية الأديب الإيرلندي "صموئيل بيكيت" "في انتظار غودو"، التي تحكي قصة رجلين فقيرين ينتظران "غودو" لينتشلهما من بؤسهما. هما يعرفان أن "غودو" لن يأتِ، لكنهما ظلا ينتظران هذا المنقذ. وكذا حكاية مراد وعدنان، هما ينتظران من ينقذهما من فارضي الأتاوات، وكلما أتيح لهما الإفراج عن معاناتهما، يتحدثان بتحفظ وحذر، لعل "غودو" يأتي، غير أنهما يعرفان أن "غودو" لن يأتِ أبدًا.





    [14-04-2022 03:03 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع