الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    التعليم العالي والبحث العلمي والتحديث الأردني

    لعلّ أبرز عوامل نهضة الأردن في القرن العشرين تمثلت في التعليم، سواء العام والتعليم العالي، فالتقدم لم يكن ممكنا لولا دعم الهاشميين لتعليم أبناء شعبهم الذي كان حين بدأت الإمارة محدود الكفاءات وقليل التعليم وكانت الحاجة ماسة لبناء دولة حديثة.
    صحيح أن هناك مدارس محدودة وكتاتيب كانت موجودة، لكنها لا تماثل تلك التي كانت في العراق او سوريا والتي حظيت بوجود مراكز تعليمية حضارية موروثة منذ قرون وحواضرها كبيرة جدا وبها أُسر علمية تشكلت عبر أجيال حيث للعلماء طبقاتهم المستمرة والفاعلة، وهو أمر للأسف لم يوجد في شرقي الأردن، ومن أراد البروز في العمل والتقدم في مسالك العلماء كان عليه الهجرة لدمشق او القدس او حلب او القاهرة.
    بكل تواضع لم يكن عندنا اشعاع ثقافي كغيرنا، ولا نخب متعلمة كما حال حواضر كبرى مجاورة، ومع قيام الإمارة بدا ذلك واضحا باعتماد الملك المؤسس على نخب عربية في الإدارة وموظفين معارين من سلطة الانتداب البريطاني، ولكن ادراك قيمة العلم كانت واضحة عند الملك المؤسس فبدأ بنشر العلم والثقافة وبناء المدارس الأميرية من نفقته ومساهمة الناس الذين كانوا يتأففون من ذلك الدفع، وبعضهم كان متحمسا كما تشير الوثائق.
    مع عهد الملك طلال المشرع اخذ التعليم نقلة نوعية كبيرة بدسترته كحق الزامي على الدولة تجاه مواطنيها، ولكن التقدم الأكبر حدث في عهد الراحل الحسين ودخلت البلد موجة تحديث كبرى وانتشرت المدارس وحدث النهضة الكبرى، وتطور الأردن كقاعدة للمعرفة والنخبة التي أسهمت في تعليم شعوب عربية شقيقة.
    استمر التقدم في عهد الملك عبدالله الثاني وزادت معرفة الناس ولكنها تخصصت اكثر وظهرت جامعات متخصصة، وتطور البحث العلمي، وتوسع القطاع الخاص في المشاركة بجامعات وكليات جامعية.
    لكن المعرفة الجامعية والبحث العلمي بحاجة اليوم لوقفة صادقة ويبدو وزير التعليم العالي الدكتور وجيه عويس بخبراته المتراكمة قادرا عليها، فاليوم الجامعات في حالة تخّلف عن المؤسسية، واستقلاليتها منزوعة، والبحث العلمي مرتهن لشركات عالمية مثل سكوبس و ISI وغيرها، والجامعات لا ترى باحثيها من غير الاستشهادات والنشر في تلك القوائم، كما ينعدم نظام واضح وموحد للترقيات، أما التمويل فهو قصة اخرى.
    لكن الموجع عدم تحديث الخطط وتكلّس البرامج العلمية، والتكريز على معايير الاعتماد التي لا تقدم ولا تؤخر، ونحن نعلم ان ثمة جامعات خاصة بها معايير اعتماد افضل من الحكومية، والسؤال اليوم ما الذي يمكن احداثه؟
    إن اول ما هو مطلوب وقف العمل بالسياسات الحالية للقبول واحداث تغيير جذري في الثانوية العامة وفي سياسات القبول التي تضخمت وتقليل اعداد المقبولين في الجامعات التي باتت ترتب موازنتها ورواتب المدرسين على علاوة الموازي وموعد دفع الرسوم، كما يجب الالتفات للاستثمار وقدرة ادارات الجامعات على جلبه.
    هناك حاجة ماسة بعد جائحة كورونا للنظر بالكادر الوظيفي وعدم التجديد للموظفين الذي بلغوا نهاية الخدمة، فكثير منهم عبء ويطلب التجديد باعتبار ان خبراته مطلوبة مع انه لا يقدم الكثير ولا يفيد بشيء، والأفذاذ قلة، وكشفت الجائحة عن ذلك، فكثيرون منهم يريدون بقائها استمتاعا بأخذ الراتب دون دوام؟
    اليوم نحتاج لجراحة عميقة والتفكير بمصير المتعلمين في المقاعد الجامعية، وهم بطالة مؤجلة، ويجب التفكير بطبيعة تقارير الأداء في الجامعات ومراقبة مؤشرات واضحة فيها، ويبدو ان هناك اليوم رؤية كبيرة في الوزارة وخبرة مع د عويس نأمل اتمامها فالتحديث السياسي يجب ان يرافقه تحديث مؤسسي في سياسات المعرفة ومعاهد العلم.





    [26-12-2021 01:04 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع