الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    فاطمة رواية الزمن الجمعي

    لم يكن الوقت يبدو كافيا لانضاج رواية أردنية بمسحة اردنية خالصة، الكثيرون هربوا من تسجيل رواية بدمغة أردنية، والبعض من ممارسي الكتابة نأى عن ذلك الفعل خشية الوقوع بتوصيف الهوية الأردنية والانحياز لها.
    كان غالب هلسا في روايته «بدو وزنوج وفلاحون»، قد رسم معالم الطريق لرواية أردينة ذات تصوير بالغ الواقعية عن تحولات المجتمع، وكان تيسير السبول في روايته «أنت منذ اليوم» روائياً أردنيًا عربيًا بهموم كبيرة وعالية.
    تلاحقت الروايات عبر مسيرة الاردب الأردني برز زياد قاسم في «أبناء القلعة»، وهاشم غرايبه، وسميحة خريس، ولا ننسى اللامع جلال برجس في انتاجه الكبير والمقدر.
    تأتي رواية الدكتور محمد الزيود في ذلك الخيط الروائي الأردني، رواية
    «فاطمة» احداث درامية كأنها مسلسل تحولات البنى الاجتماعية وتطور الريف وعلاقته المتداخلة مع المدينة والتغير الفادحة في مصائر الناس وانفتاحهم على حادثات كبرى مفجعات مثل النكبة والنكسة.
    احسن الكاتب في التحرك بمجال زمني بين عقدي الأربعينيات والثمانينيات، وبين ثقافات مجتمع غرب السكة، التي كانت حداً بين الكثير مما يقال ولا يقال، ومن حي الغويرية البالغ التعقيد النامي بشكل مضطرد بداية الاربعينيات على اكتاف العسكر وعائلاتهم ولاحقا المتأثر بحركة اللجوء الفلسطيني تبدأ فصول الرواية، التي اتخذت من فاطمة شخصية مركزية لمسمى السيدة الذي يوجد في كل بيوتنا الريفية.
    فاطمة حركة تحولات نسوية قبيل زمن التمكين، وحركة مجتمع قبيل الانفتاح الديموقراطي، وحركة ريف قرى بني حسن الذي انحصرت حركة الشراء فيه بين سوق الزرقاء وسوق جرش، كانت الطريق إلى هذين السوقين أسهل على ما يبدو من طريق عمان التي يرسم الكاتب تفاصيلها (ص33) فيضع امامنا لوحة من تحولات التبادل التجاري، قبيل نشأة الاوتستراد بين عمان والزرقاء.
    لمثل هذا التفاصيل اليومية من حديث عن العمة صبحا الوالي زيدان، والبابور والراديو صندوق الحكايا، والدّراسة وايامها، واحتراق البدير وصبحا تطفئ النار بيديها، وسلمان الراعي وكلبه كهرب، والضباع على طرف وادي الطبل، ثم يأتي الفصل الكبير في سرد ذاكرة العسكر وحرب العام 1948وكتيبة الحسين الثانية وإذ بعلي بعد فصول قصيرة في الرواية يتفحص رشاشه على أسوار القدس ومع زميله سالم عيد، ومع بدء الفجر «سكت رشاش علي» على أسوار القدس كانت النهايات وكانت اشهى البطولات والنهايات.
    احسن الكاتب في نقل صورة مجتمع متحول، بدأ الحديث عن بلافتة اجتماعية من حي الغويرية واستقبل السكان المهاجرين، وانتهى بسيرة الشهاء الأردنيين على ثرى القدس، ليؤكد تلك العلاقة الثابتة في الذاكرة وفي الحياة العامة للأردنيين.
    إن فاطمة كرواية، قطعة أدبية هاربة من زمن الهويات الفردية والمناطقية آلة زمن كان فيه الأردن اكثر بهاءً واكثر اشراقا على الصعيد الاجتماعي، واكثر حماية لمكوناته.





    [05-12-2021 11:01 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع