الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حتى نلتقي أسطوانة معطوبة

    هناك جملة يقولها العرب عادة، وتعني التغيير المفاجئ في نمط الأحداث، “كل شيء قسمة” وصراحة كانت النية أن أقوم بكتابة موضوع أخر سوى أني قبل بداية الكتابة جذب انتباهي أمرًا فانطلقت من جديد بفكرة لا أدري في النهاية سنوفيها حقها أم نعود إليها لاحقًا.

    من هم فوق الخمسين مؤكد لاحظوا جهازًا غريبًا في بعض البيوت العربية، أطلق عليه جهاز الأسطوانات، هذا الجهاز سبق أشرطة الصوت والكاسيت، وكنا نسميه باللهجة الدارجة البيتفون، كانت الأسطوانة بحجمين، 33- 45 ولا أدري ما المقصود، توضع الاسطوانة على الجهاز وهي بحجم رغيف الصاج هذه الأيام، ثم تحمل الإبرة وتوضع على طرف الأسطوانة لتنطلق الموسيقى، عاش هذا الجهاز حتى منتصف سنوات الثمانين ثم اندثر مع ظهور تكنولوجيا جديده.

    الجميل في الجهاز أن جودة الصوت عالية وكان لي صديق ولكلينا جهاز بقيا ردحًا من الزمن بعد عصر التكنولوجيا، كان الواحد فينا يتألم لمفارقة شيء رائع. وللحقيقة أنه كان لا يخلو من العيوب، أما العيب الأول فكان تغيير الإبرة ، فهي حساسة جدًا وكل ضربة أو تعامل غير لطيف يخرجها من التوازن ونحتاج لتنظيفها وتغيرها، وعدو الجهاز اللدود هو الغبار، ومن هنا كان العيب الثاني، فغبار النقب يتسلل إلى كل زاوية ولا نستطيع وقفه ولذلك كنا نحافظ على الجهاز والأبرة والأسطوانات أيضًا ولكن هيهات، فبدون مقدمات تكتشف أن إحدى الأسطوانات عشعش في مسارها ذرات من الرمل وعندها تبدأ في التأتأة فتعيد الاسطوانه نصف كلمة أو أكثر ولا تتوقف. الحل الوحيد كان رمي الاسطوانة فتنظيفها لا يجدي وخصوصًا إن حبيبات الرمل تخدش وجه الأسطوانة فلا بينفع عندئذٍ وجود إبرة جديدة.

    لماذا هذه المقدمة الطويلة؟ لأني أشاهد البشر اليوم تحول إلى هذه الأسطوانة المعطوبة، نعم الجل الكبير هو اسطوانة معطوبة، في السياسة لا يوجد سوى منصور إذا كنت معارضًا، منصور منصور، وربما تقول منص، منص، واذا كنت معارضًا للطرف الأخر أسطوانتك معطوبة أيضًا مشت مشت، مشتركة وربما تذكر طيب طيبي أو عود عود عوده.

    هذه الأسطوانات المعطوبة موجودة على كل المستويات ولا يهم أي درجات علمية تحمل، فهي في نهاية المطاف معطوبة.

    عندما كانت الاسطوانة تكرر نفسها كنَّا نحرك الإبرة ربما نخسر مقطعًا من الأغنية ولكنها تستمر، أما اليوم فليس من يحرك الإبرة، شخصيات محترمة وتافهة أصبحت معطوبة، لماذا؟ لا يستطيع أحد ترديد التفاهات كل دقيقة وكل منشور سوى فاقد العقل ( مجنون)، لذلك عندما تقرأون أو تستمعون إنتبهوا فالأسطوانات المعطوبة كثيرة جدًا هذه الأيام.

    أما على الصعيد الاجتماعي فالحال لا يختلف، نفس الحلول نفس الكلمات وكأن هناك أسطوانة واحدة نستعيرها في كل لقاء، فإذا تحدثنا عن العنف شغلنا أسطوانة الشرطة والعادات والفقر والظلم والتجهيل ودون ذلك أو أكثر، وإذا تحدثنا عن الأعراس درجنا نفس الطريق حتى ولو كان خطأً، وهكذا دواليك.

    القضية الكبرى أن العالم ترك عصر الأسطوانة إلى العالم الرقمي (الديجتال ) ونحن بقينا في عصرنا القديم مع أسطوانتنا المعطوبة.

    أين أسطوانة القيّم؟ من يحملها من يتحدث عنها، أين أسطوانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين أسطوانة المصلحة العامة؟ لا أحد يعرف حتى المعطوبة اختفت وربما قام أحدهم برميها ولم يحولها إلى العالم الرقمي.

    وحتى نلتقي، الأسطوانات المعطوبة في كل مكان مثقفون أو أشباه مثقفين، متعلمون، مسؤولون من رؤوساء حتى أصغر القوم أسطوانات معطوبة.

    نحن بحاجة إلى الموسيقى الرقمية ألتي لا يلتصق بها الغبار، ليس تحيزًا ولكنه واقع أننا بحاجة لرمي كثير من الأسطوانات المعطوبة والانتقال إلى العالم الرقمي، نستطيع أن نبقى في الخلف أو نقرر جميعًا أن المعارضة أو طرح الأفكار قديمة أو جديدة لا يصح في أسطوانة معطوبة.





    [03-12-2021 02:14 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع