الرئيسية تقارير

شارك من خلال الواتس اب
    قطاع الخدمات الصحية المساندة .. حقوق منقوصة وأجور متدنية
    تعبيرية

    أحداث اليوم - أحمد بني هاني - "بدنا نشتغل ونساعد عائلاتنا على مصروف الحياة، حتى لو كانت ساعات العمل طويلة والراتب قليل، وما في إجازات ولا تأمين صحي"، هكذا تصف أم علي* (43 عاما) والتي تعمل كعاملة نظافة في أحد المراكز الصحية في محافظة إربد.

    تعمل أم علي في هذا المجال منذ ما يزيد على عشرة أعوام، تنقلت خلالها بين أكثر من مستشفى ومركز صحي، تقول إنها تعمل لتعيل عائلتها المكونة من خمسة أفراد، وتتقاضى راتبا لا يتجاوز 200 دينار رغم أنها تعمل أكثر من 8 ساعات ويقل عن الحد الأدنى للأجور البالغ 260 دينارا الذي طبق في بداية العام الجاري.

    وتضيف أنها لا تتمتع بأي حقوق عمالية من إجازات سنوية، إجازة أمومة، تأمين صحي، واشتراك في الضمان الاجتماعي، رغم أن الشركة تقوم باقتطاع نسبة الضمان من راتبها بشكل دوري، وتتعرض أحيانا لخصم من الراتب وتأخير في صرفها ما يجبرها على الاستدانة حتى تغطي تكاليف المواصلات للذهاب إلى العمل حتى لا يخصم منها بسبب عدم حضورها للمركز.

    تقول أم علي "قبل سنتين أخذت إجازة أمومة بعد ولادتي طفلي الثالث، وخصموها من راتبي الشهري وما عندي تأمين صحي.. عن أي حقوق بتحكولنا".

    أما خالد فيؤكد أن العاملين في هذا القطاع يشكون من حقوقهم المنقوصة والرواتب المتدنية رغم أنه يعمل لنحو 16 ساعة يوميا (وردتي عمل) في احدى المستشفيات في عمّان، ويتقاضى نحو 280 دينارا، عدا عن الخلافات مع أصحاب العمل لإشراكه بالضمان الاجتماعي وعلى حقه بالإجازات، يقول "قصتي بتشبه قصة كل زملائي بالعمل ما حدا بختلف عن الثاني فينا".

    ويتابع "إذا طالبنا بحقوقنا الشركة بتحكيلنا ما بدك تشتغل بنجيب غيرك كثير"، مشيرا إلى أن الكثير من العمال ليس لديهم أي عقود ومنهم لديه عقود وكل 6 أشهر تقوم الشركات بتجديدها حتى لا يطالبوا بأي حقوق عمالية وخاصة الاشتراك في الضمان، في حين يتعرض بعضهم إلى مضايقات أو نقل لأماكن بعيدة أو يطلب منهم إنجاز أكثر من عمل في ذات الوقت.

    حال أم علي وخالد لا يختلف كثيرا عن حال نحو 10 آلاف عامل وعاملة (تقريبا) في قطاع الخدمات الصحية المساندة، غالبيتهم من العمالة الوافدة يشكل الذكور منهم 70-75%، إذ رصد معدّ التقرير وجود انتهاكات كبيرة للعاملين في المستشفيات الحكومية والخاصة.

    ومن أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون في هذا القطاع التأخر في صرف رواتبهم واقتطاع نسبة الضمان الاجتماعي دون إشراكهم أو إشراك عدد من العاملين واستثناء الآخرين، وعدم شمولهم بالتأمين الصحي رغم أنهم يعملون في مستشفيات ومراكز الصحية، وحرمانهم من الإجازات السنوية والعطل الرسمية والأسبوعية وخصم جزء من الرواتب في حال اضطرارهم لأخذ إجازة، عدا عن تحميل العمال قيمة ما يتلف من مواد التنظيف والأدوات رغم أن ثمنها بسيط جدا.

    وتؤكد وزارة العمل أن صاحب العمل لا يستطيع إلزام العامل بالعمل في أيام العطل الرسمية، وفي حال وافق العامل على العمل يلتزم صاحب العمل بدفع أجر إضافي للعامل عن تلك الأيام، بما لا يقل عن 150% من أجره المعتاد.

    ويشمل قطاع الخدمات الصحية المساندة العاملين في العيادات والمستشفيات والمؤسسات الصحية، ومستودعات الأدوية والصيدليات، والهيئات والمؤسسات والشركات المشرفة على الأعمال السابقة، بحسب موقع النقابة العامة للعاملين في الخدمات الصحية.

    ويرى مدير المرصد العمالي الأردني أحمد عوض أن هذا القطاع ينطوي على العديد من الانتهاكات العمالية، ويتقاضى العاملين فيه رواتب تقل عن الحد الأدنى للأجور، كما ويفتقرون لأبسط حقوقهم من ضمان اجتماعي وتأمين صحي وبيئة عمل مناسبة والإجازات السنوية وإجازة الأمومة.

    ويقول إن هذا القطاع من القطاعات الأكثر هشاشة في سوق العمل الأردني، ويضطر العاملين للعمل لنحو 12 ساعة يوميا على مدار الشهر لقاء راتب 260 دينار، وتقوم الشركات بتأخير صرف الرواتب وعدم شمول موظفيها بالضمان أو تسجيل جزء منه ولا صرف بدل عمل إضافي أيضا.

    وتقول سوسن* (29 عاما) والتي تعمل في احدى مستشفيات العاصمة عمّان، أنها لم تستلم راتبها بشكل كامل طوال سنوات عملها التي زادت عن 3 سنوات، "رغم أنه دوامي 8 ساعات بس مرات بضطر أداوم 10 ساعات وما بعطونا إضافي والراتب ما بنزل كامل، وإذا حكينا معهم بنتعرض لإساءات أو تهديدات بالفصل سواء كنا نساء أو رجال".

    وتنص المادة 57 من قانون العمل على: "عدم جواز تشغيل العاملين أكثر من ساعات العمل الرسمية، البالغة 8 ساعات يومياً، إلا في حالات خاصة، ولفترة لا تزيد على ثلاثين يوماً في السنة".

    بدوره يؤكد رئيس النقابة العامة للعاملين في الخدمات الصحية المساندة محمد غانم وجود انتهاكات كبيرة بحق العاملين بهذا القطاع رغم عدم وصول أي شكوى للنقابة خلال الفترة الماضية، داعيا العمال إلى تقديم الشكاوى للنظر بها من قبل النقابة ومتابعتها.

    ويحمّل عوض نقابة العاملين بالخدمات الصحية المساندة مسؤولية الانتهاكات التي يتعرض لها العمال، داعيا إياها إلى متابعة أوضاعهم وعدم انتظار وصول شكاوى للنقابة.

    بدوره يرد غانم بقوله إن دور النقابة رقابي وليس تفتيشي على الرغم من رصدها بعض الملاحظات خلال زياراتها إلى المستشفيات والمراكز الصحية الشاملة والأولية، إلا أن الشركات المشغلة للعاملين تنفي شكاويهم وأنها ملتزمة بتطبيق القوانين والأنظمة التي تعمل بها.

    ويضيف أن هناك تمييز في الأجور في هذا القطاع بين العاملين الذكور والإناث من جهة وبين العمالة المحلية والوافدة من جهة أخرى، إذ يتقاضى العامل في الوردية الواحدة متوسط أجر 180-185 دينارا، فيما يصل أجره إلى 300 دينار في حدها الأعلى للوردتين المتتاليتين، معظم هؤلاء العمال من العمالة الوافدة، في حين تلتزم بعض الشركات برواتب 260 دينار للعامل الأردني فيما يقل الأجر بالنسبة للعامل الوافد.

    ويبلغ متوسط الأجر الشهري للعاملين في القطاعين العام والخاص 540 دينارا للذكور، و484 دينارا للإناث، وبفجوة في الأجور لصالح الذكور بلغت 56 دينارا، فيما كان متوسط ساعات العمل الشهرية 208 ساعات للذكور و188 ساعة للإناث، بحسب التقرير الإحصائي السنوي لدائرة الإحصاءات العامة عن عام 2019.

    كما يرتفع متوسط الأجر الشهري للعاملين في القطاع العام عن متوسط الأجر الشهري للعاملين في القطاع الخاص، إذ بلغ المتوسط في القطاع العام 649 دينارا للذكور مقابل 555 دينارا للإناث، فيما بلغ المتوسط في القطاع الخاص 495 دينارا للذكور مقابل 422 ديناراً للإناث، وعليه فإن الفجوة في الأجور في القطاع العام 14.5% وفي القطاع الخاص 14.7%.

    وكان متوسط ساعات العمل الشهري في القطاع العام للذكور 169 ساعة وللإناث 166 ساعة، وفي القطاع الخاص 224 ساعة للذكور و207 ساعات للإناث.

    ولا تتوفر أي إحصائيات حول النساء العاملات بدون عقود عمل في الأردن، فيما تظهر نسبة الاشتراكات في الضمان الاجتماعي تفوقا لصالح الرجال في سوق العمل وبنسبة 72.3% مقابل 23.7% للنساء، ما يؤشر على ضرورة التركيز على شمول النساء بشكل أكبر في الضمان مستقبلا.

    ويتابع غانم أن الشركات تحقق أرباحا كبيرة من العطاءات التي تتقدم بها، لكنها في نفس الوقت لا تعطي العاملين حقوقهم الأساسية مثل الرواتب والالتزام بساعات العمل والإجازات الأسبوعية، مؤكدا إلى أنه خاطب وزارات العمل والصحة لإنصاف الموظفين ولكن المشكلة ما زالت قائمة منذ فترة طويلة.

    ويبيّن أنه يتم حسم ثلاثة أضعاف الأجر اليومي للعامل في حال تغيبه عن العمل ليوم واحد سواء أكان ذلك مقرونا بإجازة مرضية أو سبب آخر، وكذلك يخصم أجر العامل في حال فقدان أدوات أو تلفها بأضعاف كلفتها الحقيقية.

    من جهتها تؤكد مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش وجود انتهاكات يتعرض لها العاملون في هذا القطاع وخاصة النساء، مشيرة إلى ضرورة توفير بيئة عمل ملائمة ومنح العمال حقوقهم الأساسية كافة.

    وتقول كلش إنه لا يجوز التمييز في الأجور قانونيا ولكن العمال في هذا القطاع تحديدا يعانون من التهميش من ناحية ساعات العمل والصحة والسلامة المهنية وشمولهم بالضمان والإجازات السنوية وإجازات الأمومة للنساء العاملات.

    وتتابع أنه يجب على العمال معرفة حقوقهم بشكل جيد وفقا للقوانين والأنظمة المتبعة وفي حال تعرضهم لأي انتهاكات من أصحاب العمل التوجه فورا لوزارة العمل والضمان والتبليغ عن الشكاوى، مضيفة أن خوف العمال من فقدان فرصة العمل وخاصة النساء يمنعهم من التبليغ عن الانتهاكات المتكررة.

    ويشير الخبير والناشط العمالي المحامي أحمد مطالقة إلى أن عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور مخالفة صريحة يعاقب عليها قانون العمل بالغرامة، وأن الانتهاكات بحق العمال لا تقف عند الحد الأدنى للأجور بل تمتد إلى عدم دفع الأجور في مواعيدها وهذا أيضا يعد مخالفة للقانون.

    وتنص المادة 53 في قانون العمل الأردني على أن: "يعاقب صاحب العمل بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار عن كل حالة يدفع فيها إلى عامل أجرا يقل عن الحد الأدنى للأجور أو عن أي تمييز بالأجر بين الجنسين للعمل ذي القيمة المتساوية وذلك إضافة إلى الحكم للعامل بفرق الأجر وتضاعف العقوبة كلما تكررت المخالفة".

    ويوضح المطالقة أن التمييز في الأجور بين الذكور والإناث في هذا القطاع ليست ظاهرة واضحة وإن تواجدت كحالات فردية، وخاصة أن غالبية العاملين يعملون بالحد الأدنى للأجور، ويكون هناك شرط لإشراك العاملين بالضمان الاجتماعي.

    وينوه إلى أن ما تعاني منه النساء في هذا القطاع من انتهاكات سببه الرئيس عدم وجود فرص عمل أخرى لهن في حال فقدان الوظيفة، بالإضافة إلى ضعف رقابة مفتشي العمل على المنشآت وعدم لجوء العاملين إلى مديريات العمل لتقديم الشكاوى خوفا من فقدان وظائفهم، أو إلحاق عقوبات بحقهم.

    ويتفق المطالقة مع عوض وغانم بشأن حسم الأجور من العاملين في هذا القطاع وعدم شمولهم بالتأمين الصحي ومنعهم من الحصول على الإجازات السنوية والمرضية دون أي خصم أو حسم، وكذلك عدم التزام الشركات المشغلة لهم بإجراءات السلامة العامة وخاصة مواد التنظيف حيث أن الرقابة معدومة على هذا الأمر ووجوب اشتراط مواصفات خاصة في المواد المستخدمة وتوفير وسائل الحماية أثناء استخدامها.

    ولا يرى عوض أن هناك تمييزا مباشرا في الأجور بين الذكور والإناث لأن غالبية العمال يأخذون رواتب تقل عن الحد الأدنى للأجور، ولكن يمكن اعتبار عمل الذكور الإضافي وصرف أجور أكبر تمييزا.

    من جهته يشدد الناطق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي شامان المجالي على وجوب شمول كافة العاملين في المنشآت إذا كانوا يزيدون عن عامل أو أكثر، مؤكدا أن التهرب وعدم شمول الشركات لموظفيها مخالفة يعاقب عليها القانون.

    ويقول المجالي إن الضمان ومن خلال 200 مفتشا يقوم بجولات تفتيشية مكثفة على المنشآت للتحقق من سلامة التزامها بتطبيق القانون، مضيفا أن مفتشي الضمان غير قادرين على الوصول إلى كافة المنشآت وفي كل المناطق، وأنه يجب على العمال غير المشمولين التقدم بشكوى حتى تتم متابعتها وتحصيل حقوقهم.
    وبشأن الغرامات بحق المنشآت المخالفة يشير إلى أنها تصل إلى نحو 30% وكذلك تحميلها فوائد التأخير عن سنوات عدم الشمول، لافتا إلى أنه تمت مخالفة منشآت لم تشمل العاملين لديها منذ سنوات.

    وكانت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي قد أطلقت خدمة "اشمل نفسك" حيث تسمح هذه الخدمة للعامل التقدم بطلب لشموله بالضمان في حال لم تقم جهة عمله بشموله عن فترة عمله أو على أجره الحقيقي الذي يتقاضاه، بحسب المجالي الذي أكد تعامل المؤسسة مع الشكاوى بكل سرية وأمان.

    ويكشف عن تلقي الضمان لأكثر من 6 آلاف شكوى منذ إطلاق الخدمة أول مرة في تشرين الأول 2020، وتم التعامل مع نحو 4 آلاف شكوى وإغلاقها، إذ نال العاملين حقوقهم وتمت معاقبة الشركات المخالفة وذلك بعد التحقق من صحة الشكاوى ومتابعتها من قبل المفتشين.

    ويقول عوض إن بيئة العمل في هذا القطاع غير مناسبة للنساء، وقد تتعرض فيها العاملات إلى التحرش اللفظي أو الجسدي وانتهاك الحقوق بشكل أكبر من الرجال، فيما دعت كلش إلى زيادة التفتيش على هذا القطاع ورصد الانتهاكات التي يتعرض لها العاملين فيه، وكذلك التدقيق على العطاءات المقدمة للمنشآت الحكومية والخاصة قبل الاتفاق عليها ووضع اشتراطات لتحديد ساعات العمل واحترام حقوق العمال ووضع خطوط ساخنة لتلقي شكاوى العاملات وقضايا التحرش ومراعاة خصوصيتهن.

    أما غانم والمطالقة فيطالبان بتحسين بيئة العمل لتكون لائقة لكلا الجنسين وخاصة النساء، إذ قد تنطوي بعض الأفعال من قبل المشرفين على إساءات لفظية أو جسدية وقد تتطور إلى الابتزاز والتهديد بالفصل من العمل وفقا لقولهما.

    *أسماء مستعارة بناءً على طلب أصحابها
    هذا التقرير يعبر عن رأي كاتبه وتم إعداده بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان بتمويل من مركز شمال-جنوب أوروبا





    [28-10-2021 06:40 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع