الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    يموتون بجرعة زائدة من الفضول!

    هل تظن أنك غامض ولديك أسرار أكثر عتمة من الفضاء الخارجي؟
    لا تسرف كثيراً في الظنّ، فأنت مكشوف أكثر من بيت الشَعر في وسط المدينة، ومكرّر أمام البصر مثل لافتة إعلانية في الشارع التجاري، فلا تجعل كفك اليسرى خيمة لتحجب ما تكتب بكفك اليمنى بما يوحي بأنّك توقع على ترسيم حدود، ولا تجعل كفّك اليمنى أيضاً ستاراً أمام فمك وأنتَ تتكلم في الهاتف، بما يوحي أنّ الطرف الآخر على الخطّ “جهة أمنية”. لا تظنّ، فأنت عرضة للظنّ.
    هناك من هم مستعدون للموت بجرعة زائدة من الفضول، ليعرفوا كم خانة في حسابك البنكيّ، بل كم حساباً بنكياً لك، وكم هي نسبة الزيادة السنوية على راتبك، وراتبك بالتحديد يتعرض لأسئلة مرنة في الالتواء. لماذا تأخّرت في النوم ساعتين قبل ليلتين، يسألونك، فلا تستغرب كيف يعرفون مواعيد نومك وصحوك، وجدول مناوباتك، بل وجدلك مع مديرة الشؤون الإدارية، فقد أخبرتك أنك عرضة للظن، وأنك مهما احتلت في إخفاء آخر ظهور لك، فضوء صغير يكفي لإنارة الخيمة.
    لا تقل إنك كتوم، والكلام يُسحب منك مثل مرور قطرات الجلوكوز عبر الوريد، فهناك من يذهب بهذه الكلمات إلى المعمل الجنائي، ويقلّبها مثل قطعة اللحم على منقل الشواء، أو يغمسها في محلول الشكّ الملحيّ، أو يفصلها إلى أجزاء متساوية ويعرّضها للشمس، فيمكن قراءتها وتأويلها، ومن ثمّ إعادة جمعها في الكلام الذي لم تقله. ولا تعتد بأنك كثيراً ما تردّ مكتفياً برفع الحاجبين أو هز الكتفين، فتفاسير لغة الجسد متاحة عبر الإنترنت ويمكن تحويلها إلى كلام كِدتَ أن تقوله!
    لا تعتقد أنه يمكنك الاختفاء مثل الملح في الماء، فهناك من سيضع إعجاباً على منشور قديم لك، ليخبرك أنه يراك، وأن اختفاءك لا مبرّر له، وبعد دقيقتين قد تجد رسالة منه غايتها أن تردّ بكلمتين أو إشارتين يذهب بهما إلى المعمل الجنائيّ لتحديد أحوالك ومكان تواجدك، وتأثير المنخفض الخماسيني على مزاجك المائي. ستشعر كل ساعة بطنين في أذنك، وتستغرب أنّ ذلك يحدث في غير أوقات الذروة. لا تكن ساذجاً، هؤلاء لا ينامون بعد الظهر.
    ماذا تفعل إذاً لتبدو غامضاً، ولديك أسرار أكثر عتمة من الفضاء الخارجي. كن متاحاً طوال الوقت، واسمك مضيء بما يؤكد أنك متوفر لمنح الحبّ بإرسال القلوب الزرقاء، والابتسامات بالوجوه الصفراء، ثم اخرج إلى موعدك بهاتف غبي. كن ثرثاراً واكتب بالإجابة على السؤال الحشري “ماذا تفكر الآن” أحوالاً لا تشبه أحوالك. اكذب بالأبيض والورديّ، فلن تذهب إلى جهنّم لأنك زدت أو أنقصت خانة في حسابك البنكيّ. انشر على حسابك أغنية راقصة، واستمع إلى أخرى كئيبة، وابكِ، فلن يكشف دمعك حتى جهاز الكشف عن الكذب!





    [20-10-2021 08:14 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع