الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    التنمية في الخطاب الرسمي الأردني

    أحمد عوض - لا يخفى على أي متابع للخطاب الرسمي المعبر عنه بالخطط والسياسات التي تصدر عن الحكومة، تراجع استخدام مفهوم التنمية لصالح تنامي مفاهيم أخرى مثل النمو الاقتصادي.

    يعكس هذا التراجع ضعف اهتمام الحكومات المتعاقبة بمضامين هذا المفهوم، بدليل تراجع غالبية مؤشرات التنمية على أرض الواقع خلال السنوات الماضية.

    هذا ليس تقليلا من أهمية النمو الاقتصادي في الأردن، ولكنه إحدى مجموعة أدوات تعزز مسار التنمية بمفهومها الشامل، التي تهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل مكونات المجتمع.

    التركيز على مفهوم النمو الاقتصادي على حساب مفهوم التنمية له دلالات في عقل صناع القرار الاقتصادي في الأردن، حيث التعامل مع الاقتصاد باعتباره “اقتصاد الشركات” وليس “اقتصاد الدولة” الذي تعد الشركات جزءا منه.

    كذلك، يعكس تراجع مفهوم التنمية في الخطاب الرسمي تغلغل نفوذ رجال الأعمال في إدارة الاقتصاد الوطني بمنظور مدى تحقيق الشركات للعوائد والأرباح، وليس ما ينتج عن ذلك من تأثيرات إيجابية على توسيع مساحات الفرص أمام مختلف مكونات المجتمع من مواطنين مستهلكين وعاملين بأجر، الذين يشكلون الغالبية الكبرى من المجتمع.

    منطق إدارة الدولة يختلف كليا عن منطق إدارة الشركات، ففي الوقت الذي يبحث رجال الأعمال عن زيادة أرباحهم (وهذا حقهم) يبحث رجال الدولة عن قدرات الاقتصاد الوطني على توفير فرص العمل اللائق والحياة الكريمة للمواطنين، وتعزيز دور الحكومة في القيام بواجباتها ومسؤولياتها حيال مواطنيها من خلال توفير التعليم والرعاية الصحية والحمايات الاجتماعية المختلفة والسكن والنقل، وفوق كل ذلك؛ تقليل التفاوت الاجتماعي.

    من هذا المنظور، نستطيع فهم -وليس تفهّم- تراجع دور الحكومة في توفير التعليم بمختلف مستوياته وتراجع دورها في تقديم الخدمات الصحية المختلفة وتوسع دور القطاع الخاص في توفير هذه الخدمات بأسعار السوق.

    كما نستطيع فهم -وليس تفهّم- انخفاض مستويات الأجور المُرافق لارتفاع تكاليف المعيشة، واستمرار الحكومات المتعاقبة في اعتماد نظام ضريبي غير عادل (باعتراف المسؤولين الحكوميين أنفسهم)؛ حيث تشكل إيرادات الضريبة غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والمقطوعة والرسوم الجمركية) ثلاثة أرباع مجمل الإيرادات الضريبية.

    ومن هذا المنظور نقرأ التعديلات التي تجريها، وما تزال تجريها هذه الحكومة والحكومات التي سبقتها على قوانين العمل والضمان الاجتماعي باتجاه تخفيض الحمايات الاجتماعية لتحفيز النمو الاقتصادي، وما التعديلات المزمع إجراؤها على قانون الضمان الاجتماعي الهادفة إلى تخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي على حساب تأمين الشيخوخة وغيرها من الحمايات الاجتماعية سوى خطوة في هذا المسار.

    كذلك، فإن بعض مضامين برنامج الأولويات الاقتصادية الحكومية الرامية إلى إجراء تعديلات على قانوني العمل والضمان الاجتماعي باتجاه تطبيق سياسات عمل مرنة (تخفيض الحمايات التي يتضمنها القانونان) قد جاءت في سياق تغييب مفهوم التنمية الشاملة عن عقل صانعي القرارات الاقتصادية، لمصلحة هيمنة مفهوم النمو الاقتصادي على الخطاب الرسمي الأردني.

    صحيح أنه مطلوب تقديم حوافز وتسهيلات ملموسة للقطاع الخاص بمختلف أنواعه كي يتوسع ويستمر في المساهمة في مختلف مسارات التنمية، على ألا ينسى صناع القرار أن مهمتهم الأولى، كرجالات دولة، هي تعظيم الفوائد التي سيحققها ذلك في تحسين مستويات الحماية الاجتماعية المتنوعة، وتحسين المستويات المعيشية للمواطنين.





    [17-10-2021 11:04 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع