الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    قمة بغداد الثلاثية وإعادة الروح للتعاون المشترك

    فكرة التعاون العربي المشترك والتكتلات الاقتصادية ليست جديدة؛ برزت أهميتها في العالم العربي بعد الواقع الذي فرضته نتائج الحرب العالمية الثانية ومحاولة القوى الدولية الصاعدة فرض نفوذها على المنطقة العربية التي تميزت بموقعها الاستراتيجي وثرواتها الكبيرة وأهمها الاكتشافات النفطية الكبيرة.

    ربما كانت جامعة الدول العربية أولى خطوات هذا التحرك العربي؛ في آذار من العام 1945 تداعت مصر والأردن والعراق وسورية والسعودية لتأسيس كيان عربي سعياً منهم لتحقيق تكامل سياسي واقتصادي يسهم في خلق كيان عربي قوي؛ الفكرة تطورت في العام 1965 لإنشاء سوق عربية مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة، فبادرت كل من مصر والأردن والعراق وسورية وبعد اثني عشر عاماً انضمت اليمن وليبيا وموريتانيا بينما آثرت الدول العربية الثرية عدم الانضمام. وانتهت الفكرة عملياً في العام 1980 واستعيض عنها بتسهيلات بينية أهمها الغاء بعض القيود الجمركية.

    صيغ عديدة للتعاون العربي ظهرت لاحقاً، ربما كان مجلس التعاون الخليجي أقدمها والوحيد الذي ما يزال قائماً بالرغم مما اعتراه في السنوات الأخيرة من فتور نتيجة الخلافات؛ التوافق والموقف سياسي شبه الموحد من مختلف القضايا الثنائية والعربية والإقليمية ساهم في صموده بينما بقيت تجربة الاتحاد المغاربي تترنح وتراوح مكانها ولم تستمر طويلاً نتيجة التناقض في المواقف السياسية بين اطرافه خاصة في الموقف من قضية الصحراء والصراع الجزائري المغربي المزمن والمعقد.

    في شهر شباط من العام 1989 وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية برز مجلس التعاون العربي المكون من الأردن والعراق ومصر واليمن؛ كان مشروعا تكاملياً واعداً يسعى لتحقيق اعلى مستويات التنسيق بين اعضائه وتحقيق التكامل الاقتصادي وقيام سوق مشتركة بين اعضائه والتنسيق العسكري والأمني ولكن الحلم سرعان ما تعرض لانتكاسة نتيجة مغامرة احتلال الكويت في أي من العام 1990.

    اليوم ونحن نشهد ولادة نموذج جديد من العمل العربي المشترك قوامه الأردن ومصر والعراق؛ بانعقاد القمة الثلاثية في بغداد وهي الثالثة على المستوى العربي والرابعة منذ اللقاء الأول في نيويورك العام 2019، نحن امام صيغة جديدة من صيغ العمل العربي المشترك الواعد المبني على قراءة واقعية تنطلق من مصلحة جميع اطرافه وهي صيغة مهيأة لأن تكون نموذجا جديدا ومغايرا لما كان سابقاً وبعيدا عن فكرة المحاور السياسية التي اثبتت عدم قدرتها على الصمود وكانت من أسباب فشل أي محاولة حقيقية وجادة ومنتجة تنعكس على الجميع.

    القراءة الهادئة في البيان الختامي للقمة التي عقدت في العاصمة العراقية بحضور الملك عبدالله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وتركيزه على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الداخلية لأعضائه والتنسيق الأمني والعسكري في مجال مكافحة الإرهاب الذي تعرضت له الدول الثلث ورفض الاستهداف الإقليمي والمساس بحقوق أي من اعضائه وتكريس التعاون المشترك بما ينعكس على مصالح الأطراف الثلاثة فيه وإعطاء مرونة لكل دولة للتعامل مع جوارها وبما لا يتعارض مع المصالح العليا المتعلقة في الأمن القومي هي مما يدعو للتفاؤل بنجاحه.

    هناك قناعة لدى أطراف هذا اللقاء الذي يملك فرصة أن يكون نموذجاً قد يقتدي به الآخرون أو يتوسع ليشمل اقطارا مشرقية كسورية ولبنان والسلطة الفلسطينية وأيضا السعودية والامارات.

    المشاريع التي سيبدأ بها هذا التعاون سواء في مجال النفط أو الطاقة الكهربائية والمدن الصناعية الكبرى والتبادل في مجال الموارد البشرية والخبرات والاستثمار في مجال الأمن الغذائي هي دلالة على الانتقال الفعلي للتنفيذ بما ينعكس على أطراف اللقاء.

    هناك فرصة تاريخية في أن يؤسس هذا الشكل التكاملي بارقة أمل تعيد للعمل العربي المشترك بريقه بعد الإخفاقات السابقة؛ لأنه ليس محوراً سياسياً موجهاً ضد أحد ففرص النجاح متوافرة وستنعكس على الجميع.





    [29-06-2021 08:24 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع