الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    لا للاحتماء بالقبائل واستعيدوا المواطنة

    عبر مئة عام من بناء الدولة، مارس الأردنيون انتقالا كبيراً نحو التحديث، والايمان بالدولة. إذ انتقلت الزعامات القبلية وجمهورها العريض بدءاً من العام 1921 نحو مفهوم الدولة الواحدة، بعد ان كانوا قضوا تجربة حكومات محلية باستشارات من ضباط بريطانيين، وذلك بعد انهيار الحكم العربي في ميسلون أيلول 1920 وصولاً إلى قدوم الأمير عبدالله رحمه الله ووصوله عمان مطلع آذار 1921 عمان.
    كان البريطانيون خبراء الشرق الأوسط وصلوا لنتيجة استحالة حياة وبقاء تلك الحكومات، لضعف مواردها وصغر مساحتها وجهويتها، ويضاف لذلك أنها قطّعت أوصال شرق الأردن لعدّة كيانات.
    جاءت الدولة الحديثة التي أسّست مطلع نيسان 1921 لتلغى تلك الحكومات، في لحظة كانت الامبريالية الغربية تعيد بناء نفسها، وانتمى الشيوخ من قادة الحكومات المحلية لخدمة الإمارة الجديدة، ومارس بعضهم حركة معارضة وطنية محترمة، ضد الانتداب واشترك في تلك المعارضة كبار موظفي الدولة.
    يشكّل انعقاد المؤتمر الوطني الاول العام 1928 انعطافة وطنية كبيرة، ضد سياسات الانتداب والمعاهدة الأردنية البريطانية، آنذاك فهم قادة الحركة الوطنية المسألة الأردنية أفضل مما يحاول البعض اليوم تبنيها، لقد اقتنع الامير المؤسس بمطالبهم الوطنية، وبنى عليها سياسته مع الانجليز إلى أن حصل على استقلال الدولة، وخطاب الاستقلال واضح بأنه نتيجة لنضال وطني وغيرة عالية.
    لم يقل احد بأن عليه مؤامرة، ولم يهجس أحد بأن البلد انتهت، لكن قالوا ان الواجب حماية الاستقلال التام، وذلك ما تم، إلى أن تعزز بقرار تعريب الجيش في عهد الحسين الباني رحمه الله في آذار 1956.
    لكن بعد العام 1957 تغيب السياسة والاحزاب، وتقبل القيادات والزاعامات الوطنية بالبديل عن الديمرقراطية والحزبية السياسية، وهذا البديل كان خطاب التنمية، والسياسات التي انجحت التعليم والصحىة والإدارة العامة والطرق وبقية الخدمات.
    ولمّا اقبلت السياسة كاداة للتغيير وليس السياسات، انجز الاردنيون لحظة هامة عام 1989، لكنها انطفأت عام 1994 بالانتخاب على مبدأ قانون الصوت الواحد، وما جرى بعده من تشويه لحركة الانتقال الديموقراطي، وتعاظم الامر في الانتخابات التي جرت للمجالس الاخيرة وفقا لعدة قوانين ومنها القانون الحالي.
    البعض يقول أن الخلل ليس في القانون، وأن القبيلة والتكوينات الاجتماعية الأخرى ستبقى ترسل ذات الوجوه او وجوه غير مسيسة، وهذا بالفعل ما كرسه البرلمان الحالي، الذي انجب مئة وجه جديد، لكن بسياسة قليلة، أي بدون حزبية، والعبرة ليس بالجديد بدون المحتوى الحزبي.
    السؤال ما العمل، في ظل تعظيم البعض للهويات الفرعية؟
    الجواب إن العودة للقبيلة بالصورة التي تجري اليوم هو عودة للحالة القروسطية « القرون الوسطى» ورفع المصاحف والسيوف هو امتهان لكيان الدولة القانوني المعاصر، والدعوة لبناء بيوت شعر والاحتماء بها، يسيء لها كونها بيوت عز بيوت لطالما كانت للبناء والوصول لدولة القانون، ومنها خرجت افضل المواقف الوطينة، واليوم يجب التنادي لاجل مستقبل ابنائنا وتعليمهم وصحتهم.
    نعم حصاد الانتخابات الأخيرة هو مجلس نواب لا يريده كثيرون، وللآن هو ضعيف الاداء، وحصاد التنمية في العقود الاخيرة، فقر وبطالة، وغادرات ضعيفة، وهناك محسوبية وفساد، لكن التغيير بكون باختيار الأفضل والعقلاني، والنضال المدني السلمي، وليس بلغة التهديد والاستقواء على القانون.
    ما نشير إليه هنا، لا يعني انعدام التصريح باننا شهدنا في الأيام الأخيرة، حالة فوضى، ودعوة لفتنة، واستدعاء ممجوج للقبيلة، وقد يسهل القول عند البعض ما شأننا؟ في الحقيقة الصمت هنا جريمة، فإما ان نعزز الدولة وسلطة القانون وإما الفوضى والانقلاب على ما انجزناه طوال قرن، كمن نكث غزلة من بعد قوة إنكاثا.
    هي عودة غير راشدة للقبيلة حين نجعل الناس في مواجهة الدولة، فالبعض يريد فرادة، تنزل دواخل الاوطان إلى اعتماد حكم القبائل لحقبة ما قبل الدولة، الذي لم يكن كله تاريخاً حافلاً او يحتفى به، وإذ أنهى قانون العشائر عام 1946 الذي منع الغزو بين القبائل، وحدّ من التاريخ العبء. إلا أننا بحاجة لمتثله اليوم لنؤكد انتقالنا إلى زمن الاستقلال والسيادة وليس زمن الفوضى.
    نعم نحتاج اليوم لقانون يمنع الزج بالقبائل في امور شخصية اومآرب خاصة، او حتى الدفاع عن الفساد والفاسدين لان البعض يحتمي بها، نحتاج لمواطنة فقدناها تحت أسنة الرماح والسيوف التي رفعت. وللأسف الشعور الوطني والمسؤولية لا يتم انباتها بقانون او تشريع.





    [08-06-2021 08:30 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع