الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الاقتصاد: مؤشرات ودلالات - أحمد عوض

    منذ سنوات طويلة والعديد من خبراء الاقتصاد والتنمية يضعون علامات استفهام حول دلالات بعض المؤشرات الاقتصادية الأساسية باعتبارها لا تعكس واقع الاقتصادات والمجتمعات بدقة، ولا التحولات التي تجري بداخلها.

    وما نزال نتذكر التقرير الذي أصدرته واحدة من أهم المؤسسات المالية الدولية في أواخر العام 2010 ويشيد بأوضاع الاقتصاد التونسي، وأنه يحقق إنجازات مهمة ويسير بالاتجاه الصحيح، وما هي إلا أسابيع حتى انفجرت ثورة الياسمين في تونس احتجاجا على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لغالبية الشعب التونسي.

    ويتكرر هذا الحال في العديد من الدول، حيث لا تعكس بعض المؤشرات الاقتصادية الواقع الحقيقي الذي تعيشه المجتمعات بمختلف مكوناتها، من عاملين وعاملات بأجر وأصحاب وصاحبات أعمال وغيرهم من النشطاء الاقتصاديين في الاقتصادين المنظم وغير المنظم.

    ويعد مؤشرا نمو الناتج المحلي الإجمالي وعجز الموازنة العامة من أكثر المؤشرات الاقتصادية انتشارا واستخداما من قبل الحكومات والمؤسسات المالية الدولية في عمليات تقييم أداء الاقتصادات الوطنية.
    وعلى الرغم من أهمية هذين المؤشرين في قياس مدى تقدم أو تراجع الاقتصادات الوطنية والعالمية، إلا أنهما من أكثر المؤشرات عرضة للنقد، باعتبارهما يعكسان دلالات متباينة.

    فمن جانب، فإن دلالات مؤشر الناتج المحلي الإجمالي ونموه لا تعكس سوى مجموع الاستهلاك والإنفاق الحكومي والاستثمار وصافي الصادرات في الدولة، وهذه المكونات الفرعية لا تعكس بالضرورة قدرات الاقتصادات الوطنية على توليد فرص عمل، أو تعكس طبيعة التحولات التي تجري داخل الاقتصادات والمجتمعات في البلدان قيد التقييم.

    ولفهم صورة النمو الاقتصادي بشكل أفضل، علينا الدخول أكثر في مصادر النمو الاقتصادي، للتعرف على محركاته، وفيما إذا كان يعكس توسع القطاعات الاقتصادية ذات القيم المضافة العالية، ويسهم في حل مشكلتي الفقر والبطالة، عندها فقط يمكننا الحكم على اتجاهات الأداء الاقتصادي ودلالاتها.

    كذلك حال مؤشر عجز الموازنة العامة، وانخفاضه باعتباره يعكس تحسنا في أداء الاقتصاد، فهو لا يعكس واقع أداء الاقتصادات الوطنية، فالعديد من دول العالم حققت بإرشادات وضغوطات المؤسسات المالية الدولية تخفيضات ملموسة في عجوز موازناتها العامة، ولكن ذلك كان على حساب المستويات المعيشية والحمايات الاجتماعية لقطاعات واسعة من مواطنيها.

    نشير الى ذلك، لأن بعض المؤسسات المالية الدولية عادت لتتغنى بالأداء الاقتصادي لبعض دول المنطقة استنادا الى معدلات النمو الاقتصادية وتخفيض عجز الموازنة العامة خلال السنوات الأخيرة، وتتعامل معها باعتبارها قصص نجاح يحتذى بها، دون أن تلتفت الى أن مصادر النمو الاقتصادي كانت غير مستدامة، وأن ثمن خفض عجز الموازنة كان تخفيض الإنفاق الحكومي على الحمايات الاجتماعية، وزيادة أعداد الفقراء بشكل لافت.

    الى جانب ذلك، هنالك العديد من المؤشرات الاقتصادية التي تحمل دلالات غير دقيقة لرسم صورة وافية عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وهذا يستدعي من المنظمات الدولية، وخاصة المشتغلة في الجوانب التنموية والاقتصادية، عدم الاستناد الى مؤشرات بعينها لتقديم تقييماتها لأداء حكومات بعض الدول.
    ولتقديم صورة وتقييمات موضوعية لاقتصاد أي دولة، عليها التعامل مع جملة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، أما الاعتماد على مؤشرات محدودة، فيعكس صورة غير دقيقة عن اقتصادات الدول ربما يتم استخدامها لغايات الدعاية التي تمارسها الحكومات التي لا تخدم مصالح المجتمعات وتعمق اللامساواة الاقتصادية فيها.





    [24-05-2021 08:44 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع