الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    رحيل الحكومة

    مأساة السلط ليست سوى القشرة الخارجية من حلقات البصل التي تدمع العين من تحت القشرة الذهبية، بل تجاوز ذلك الى فتح الأعين وإطلاق الألسن للتأشير على كم هائل من الأخطاء والخطايا والإهمال المزمن الذي أتعب هذا البلد نتيجة سوء اختيار المسؤولين واستبدال الواحد تلو الآخر دون علم ولا كفاءة، وإذا كانت الشرارة بدأت من نقطة أوكسجين قتلت أرواحا بريئة، فإن المسألة باتت أكبر وأعقد من أن نعيد الثقة بصلاحية القطاع العام الذي تم الاشتغال عليه منذ عقود بكل بلاهة حتى ترهل وبات عاجزا عن الوفاء بحسن الخدمات العامة وبات الموظف سيد? على المراجع.

    فايز الفايز - الحكومة بين نارين، فالرئيس الخصاونة رغم تحمله المسؤولية الكاملة وإعلان وزير الصحة لاستقالته من أرض المعركة، فإن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، رغم انتهاء نقاشات مجلس النواب للقضية أو الإعلان عن إجراءات جديدة تتعلق بإدارة المستشفيات العامة، فالشارع بات محتقنا لسوء الإدارة العامة، وما زال الموظفون الصغار يتسببون بالمصائب الكبرى، وهو ما يتحمله كبار المسؤولين، وبات التأشير إلى رأس الحكومة سباقا بين الأصابع التي تحمّل الجميع إهمال المتابعة والتفتيش الإداري وازدراء الناس.

    إن رحيل الحكومة هو تحصيل حاصل مهما مكثت، ولكن عندما نطالب برحيل أي حكومة نريد الإجابة عن السؤال الأهم: هل التغيير الحكومي هو المهم أم تغيير نهج الإجراءات وانتقاء الأكفياء لإدارة المؤسسة الرسمية باحتراف وقبولية وتصد علمي وعملي لأزمات البلد التي أنهكها التعطيل المالي والتراجع الصحي واختباء المسؤولين عن قواعدهم، وماذا لو قدمت الحكومة استقالتها وبدأت رحلة جديدة للبحث عن مخلّص جديد، فهل ستنتهي المشكلة أم سنتورط من جديد مع انفجار أزمات مستقبلية، لنعود للمطالبة برحيل الحكومة القادمة؟ فقد جربنا عددا من رؤساء التأز?م وهاهم تركونا واعتكفوا في بيوتهم، ولكن يجب أن يتحمل جميعهم المسؤولية.

    اليوم بات من الحكمة استقطاب موسع لوزراء لهم اختصاص مباشر بوزاراتهم، وتفعيل عمل الأمناء العامين ومتابعة مدراء المديريات وإطلاق مسؤولي التفتيش الإداري للوزارات بالإستعانة مع المؤسسة القضائية لانتداب أعضاء محايدين للكشف وتقييم سير العمل في مؤسسات الدولة، والبدء بمراجعة شاملة للأنظمة التي تعطل حياة المواطنين وتعرقل الأعمال وتخبئ موظفين لا يريدون سوى امتيازاتهم، وإلا فإن أي حكومة جديدة لن تصنع من المستحيل واقعا ورديا ولن تغير في المكان أكثر مما كان.

    إن تأخير الإجراء الصحيح ليوم واحد يعني تأخير المشكلة لعام كامل، وهذا سيفتح الباب لمشاكل أكبر وأكثر تعقيداً ويؤلب الجمهور على المنظومة الرسمية، ولكن الحصافة في حسن الاختيار أولا ووضع المسؤول المناسب في المكان المناسب، والمناسب هنا هو من يتخلى عن مكتبه ليتجول في الوطن وبين الناس ويراقب أقسام وزارته ومؤسسته ويدعم موازنة وزارة الصحة التي تعنى بحياة وأوجاع المواطنين..

    لقد باتت محاولات إقناع الأغلبية الصامتة ومحركات الرأي العام وأنهار التدفق المعلوماتي وجبهات النقد الحاد التي تنفجر فجأة لانتقاد أي تشكيل أو تعديل حكومي ضربا من العبث، والسبب أن غالبية الحكومات لعبت دور الأب الذي يعرف مصلحة الشعب أكثر مما يعرفونها هم، وفي النهاية يصبر الناس بانتظار الماس فلا يحصدون سوى الكربون والاختناق الصحي والإقتصادي والسياسي، وأي ثورة إدارية لا تستهدف تغيير سلوك الحكومات والمؤسسات وترفع مستوى المعيشة للمواطنين، فهي مجرد ترحيل لم يعد مقبولا.





    [17-03-2021 08:15 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع