الرئيسية مقالات واراء
مشروع قانون الموازنة مناسبة سنوية، وهذه السنة هي محطة استثنائية نظرا للظروف الصعبة التي خلفتها الجائحة على الاقتصاد الوطني، تستدعي نقاشا برلمانيا ووطنيا مختلفا كليا عن آليات النقاش التقليدية التي عهدناها في السنوات الماضية.
هامش المناورة في الأرقام والحسابات محدود جدا، فالإيرادات معروفة ومقدرة بميزان دقيق، والنفقات واضحة ومفروضة ولايمكن تقليصها، لأن النسبة الأكبر منها رواتب للعاملين والمتقاعدين في القطاعين المدني والعسكري.
الموازنة في الجوهر هي انعكاس لحال الاقتصاد الوطني، وأرقامها وفرضيتها محكومة بالمعادلة القائمة، انتعاشا أو انكماشا. وأي تحسن منشود في الإيرادات ومعدلات الدين العام والعجز يرتبط كليا بنسبة النمو الاقتصادي، وقدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل.
لنجعل النقاش هذه السنة حول القضايا والتحديات، فهي التي تحدد الأرقام والنسب بكل الاتجاهات.
الأردن يحتاج وبسرعة لخطة تحفيز اقتصادي استثنائية، وغير تقليدية، لتحقيق نمو اقتصادي بمعدلات أعلى من التوقعات، لكنه نمو مشروط بخلق فرص عمل، لنضمن مواجهة أكبر مشكلة تعاني منها المملكة وهي البطالة.
التشغيل يعني تحسين مستوى معيشة المواطنين، وزيادة الانفاق، وإيرادات الخزينة من الضرائب والرسوم، وتحريك قطاعات راكدة، وبالمحصلة زيادة حجم الاقتصاد الوطني، وتحقيق معدلات نمو ملموسة اجتماعيا.
والنمو الاقتصادي هو العلاج الفعال للمديونية وعجز الموازنة على المدى المتوسط، وإلا فإن استمرار الاستدانة بدون نمو اقتصادي يعني مواجهة خيارات صعبة على المستوى النقدي والسياسة المالية.
التزمت الحكومة بعدم الاستدانة لتمويل الإنفاق الجاري، وهذه خطوة جيدة، لكنها ليست كافية إذا لم يرافقها حرص مبرمج لتحقيق نمو اقتصادي يجنب الحكومة وضعا حرجا لاتستطيع معه الالتزام بما تعهدت فيه.
تستطيع اللجنة المالية في مجلس النواب أن تستثمر وقتها في مناقشات مشروع قانون الموازنة العامة، بجلسات عصف مركزة مع ممثلي الحكومة والقطاعات الاقتصادية المختلفة لبلورة برنامج عمل للسنة الحالية، يضمن خطوات عملية ملموسة لخلق فرص عمل في القطاعات الواعدة، وحزمة تسهيلات وحوافز للتصنيع والتصدير تنعكس على سوق العمل، وإطلاق سلسلة من المشاريع الجديدة في قطاعي الزراعة والصناعة بخطوات أسرع تفتح الباب أمام تشغيل آلاف الأردنيين.
وفي هذا الصدد نسمع عن أفكار طموحة لدى وزارة العمل وبعض الوزارات المعنية، يمكن دمجها مع أفكار وخطط يتحدث عنها القطاع الخاص، بالإضافة لما لدى النواب من مقترحات جديرة بالدراسة.
هذه التشاركية بين الأطراف الثلاثة يمكن أن تنتج خطة وطنية متكاملة، يتبناها مجلس النواب كجزء أصيل من توصياته للحكومة عند مناقشة الثقة، وتشرع الحكومة بتنفيذها تحت رقابة النواب والقطاعات المعنية،وبذلك نضع أساسا قويا لمرحلة التعافي من آثار الجائحة.
الطريقة المتبعة في مناقشات الموازنة خلال السنوات الماضية لم تثمر شيئا، ولم تحدث فارقا في النتائج والتوقعات، وإذا شئنا تقديم أداء مختلف وجدي يلمس المواطن أثره، يتعين علينا ولوج طريق جديد، أكثر فاعلية وجدوى.