الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الطلبة وجرم التنمر ومزيد التعقل

    تنشط على صفحات أعضاء هيئة التدريس في جامعات مختلفة، اقتراحات لتغليظ العقوبات على الطلبة جراء التنمر، على الاساتذة وفق ما يقولون، ومقولة التنمر تشبه مقولة «كل ما من شأنه المسّ بهيبة الدولة والوطن» وبسببها اعتقل اناس كثر وزج بهم في السجون واحيانا ظلما وزوراً.
    غريب جداً ان تتحول صفحات أعضاء هيئة التدريس إلى منصات شبيهة بالنيابة العامة، والكل يفكر كيف يمكن كبح جماح الطلبة من التنمر على الاساتذة، وهذا أمر خطير وعيب، ومن فواجع الزمان ان يكون تفكير بعض الجامعات في ظل حشر الطلبة والظروف النفسية التي هم بها، من قلة حيلة وسوء خدمات في الانترنت، وفقر ذويهم، هو كيفية تغليظ العقوبات.
    صحيح أنني ضد قلة الأدب في الدرس، ومع ان كرامة المدرس من كرامة صفه، وان هذا الكلام لا يعني انعدام وجود طلبة قليلي الحياء والتهذيب، لكن ان تتحول المسألة لدعوات جماعية ومناشدات للجامعات بكيفية المعاقبة فهذا فشل تربوي ذريع، ولا يطالب به إلا مدرس هشّ لا يقوى على ملء ساعات البث الرقمي للطلاب، او لديه مشكلة تواصلية وقد يكون عالما مليئا بالفهم والمعرفة. وقد تكون المشكلة فعلا عند الطلبة.
    قال المعلمون الكبار: من لم يعلم في المدارس، لن يعرف كيف يحتمل طلبة الجامعات، وهذا فيه شيء من الصحة، لكن حين يكون كثير من المدرسين في الجامعات خريجي جامعات غربية تحترم الحريات، وتعظمها، فإن الدعوة لتغليظ العقوبة على الطلبة في ظل ظرفية وباء كورونا وما رافقها من تعب نفسي وضغوط كبيرة، أجدها دعوة خارجة عن المألوف وغير مقنعة، إلا ان تفسيرها يحتاج لدراسة علمية نفسية على الاساتذة كما على الطلبة.
    عيب كبير أن نصل إلى درك الطلبة السفلي، وان نتحدث عن عقوبات، ونحن نعرف كيف يواجه الطلاب ظروفا قاسية، وكيف نواجه نحن من اولادنا زمناً جديداً، صحيح أن هناك اساليب وتصرفات غير مقبولة، لكن التربية قبل التعليم وهي الهدف.
    لن نتنازل عن مناصرة الطلبة في مواجهة خطاب الهيمنة والأبوية والعنف الأكاديمي ضد الطلاب وبأدوات القانون للأسف، كما يقول ماكس فيبر, لكني موقن ان وجود ثلة من الطلاب ممن يسيئون التصرفات لا تعكس المشهد الطلابي كلياً كما أن مطالبة بعض الاساتذة بالبحث عن سبل عقابية مبتدعة وجديدة، لا يمثل جميع الاستاذة .
    قديما قال محمد خليل المرادي مؤرخ دمشق الشهير في القرن الثامن عشر في ترجمة الشيخ عبدالرحمن المجلد توفي سنة 1140هـ/1727م:» واشتهر بالنَفس المبارك على طلبته فقلَّ من لم يقرأ عليه من طلبة العلم لما كان عليه من سعة الصدر وحسن الخلق والصبر على تفهيم المتعلمين» صحيح أن ما يدور بين الطلاب واعضاء الهيئة التدريسية اليوم أمر لا يتعلق بالفهم والافهام، لكن الامر متصل بصنعة التدريس وسعة الصدر والصبر على أبنائنا مهما ظلوا وخرجوا عن حدود اللياقة.
    في النهاية ندعو لكلمة سواء عنوانها مزيد من التعقل والصبر على أبنائنا الطلبة، ونأمل من كل طالب متنمر بأن يتخيل والده او والدته مدرسا او مدرسة مكان الاستاذ الجامعي او في المدرسة، وقبل ذلك العودة للخلق والتربية التي تقدر مهنة المعلم.





    [15-12-2020 08:39 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع