الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هل نحن جاهزون لأعتماد التعليم عن بعد؟

    يونس الكفرعيني - لعل من ابرز القطاعات التي تأثرت بجائحة كورونا هي قطاعات التعليم بكافة مستوياتها، المدرسية والجامعية على حد سواء، وفي كل دول العالم بانواعها ايضا، المتقدم، المتوسط والنامي، انها صدمة بكل المقاييس في الاوساط التعليمية وهزة شاملة لكل النظريات والفرضيات التي سطّرتها كتب العلم، والتي تناولت اساليب وطرق التدريس عبر القرن العشرين الماضي، وبداية القرن الواحد والعشرين الحالي.

    لطالما سخّر المنظرون قدراتهم وخبراتهم في ايجاد انظمة تعليمية متطورة، تساهم في ايصال المعلومة للطلبة وتقييم المخرجات، محاولين الابتعاد قدر الامكان عن القاعة الصفية، واركان التعليم التقليدي الذي يعتمد الوجاهية في ارسال واستقبال المادة العلمية، وكافة توابعها النفسية والمادية من اجواء العلاقات الناشئة بين المدرس والطالب من جهة، وبين الطلبة انفسهم من جهة اخرى.

    وقد ظهرت عدة انماط تعليمية اعتمدتها بعد الدول، منها التعليم المفتوح، والتعليم بالانتساب، والتعليم ضمن التبادل الثقافي، ومعادلة شهادات الخبرة بالشهادات العلمية، ووضعت لها شروط لمعادلتها والاعتراف بها، وسن القوانين التي تحدد نسب التعليم الوجاهي فيها او عدمها.

    واذا ما اجرينا مقارنة بسيطة بين بيئة التعليم الوجاهي والتعليم عن بعد، سنجد ان القواسم المشتركة محصورة بعدة نقاط من ابرزها وجود مادة علمية (المنهاج)، مقدم المعلومة (المدرس)، متلقي المعلومة (الطالب)، ثم نتوقف هنا لننتطرق الى فكرة المقال، التي تقوم على مدى جاهزية المؤسسات التعليمية لاعتماد التعليم عن بعد، حيث نتناول الفروقات الأساسية والمهمة بين التعليم الوجاهي والتعليم عن بعد.

    ان البيئة التي تعقد فيها الحصة الدراسية في العالم الافتراضي، تفرض وجود تحديات اساسية مادية، تشكل الجزء الاهم كي تتم العملية التعليمية، من أهما وجود الانترنت بمواصفات قياسية تضمن عدم انقطاع الدرس، حتى وان تم انشاء قنوات تلفزيونية فان التفاعل بين الطلبة والمدرس لن يكون متاحا، كذلك التواصل سيكون مرنا وسهلا من خلال تطبيقات الانترنت اكثرمنها عبر شاشة التلفاز، ثانيا وجود المعدات التي تتمتع بمواصفات معقولة كالحواسيب، ثالثا اساليب تقييم تقنية تضمن العدالة والتحقق من تادية الواجبات والامتحانات بمصداقية عالية.

    وهذا ايضا يفرض تحديات جديدة، مثل التدريب والتمرين للهيئة التدريسية والادارية في الجامعات والمدارس، ووجود تطبيقات وقواعد بيانات متاحة، تتمتع بالقوة في التصميم والبرمجة، لتقديم المادة العلمية وعقد الامتحانات وتوثيق نتائج الطلبة، وتدريب الطلبة على استخدام هذه التقنيات، وكيفية تلقي هذه الخدمات وتخزينها واسخدامها، وايضا توفير الدعم المادي واللوجستي للمناطق الاقل حظا، والاسر المحتاجة وكذلك معالجة الضعف الثقافي والمعرفي للوالدين لمساعدة ابنائهم الصغار في تقبل هذا التغيير، كذلك وجود منصة ضخمة لخدمة الجمهور لتقديم الاجابات والحلول للكم الهائل من الاسفسارات.

    اما التحديات النفسية والسلوكية وهي المحور الابرز والاهم لدى علماء النفس والتربية على حد سواء، فالبعد النفسي للطلبة سيتاثر سلبا بسبب انعدام التواصل الوجاهي مع المدرسين والزملاء الطلبة، وعدم الاستفادة من جو المدرسة او الجامعة الحاضنة بطبيعتها للمشاعر الاجتماعية في البيئة التعليمية، وغياب الانشطة الثقافية والرياضية والعمل ضمن فرق يسودها التعاون مما يعزز مهارات الاتصال لدى الطلبة.

    اضافة الى الضغط الهائل على الاهل في توفير الاجواء المناسبة للطلبة على اخلاف مستوياتهم، من غرفة خاصة هادئة او المكان المناسب، او متابعة التحصيل العلمي، وايضا عدم التدخل في تلقينهم الاجابات او تعويضهم عن المدرس، وكذلك محاولة حث ابنائهم على الالتزام بالجلوس امام شاشة الحاسوب لساعات طويلة.

    ومما يضيف عبئا نفسيا على الطلبة والاهالي هو تعدد الوسائل التعليمية ومنصاتها ومصادرها، وحسب القدرة المالية والتقنبة والاجتماعية المتاحة، مما يترك فجوة واسعة لاجراء المقارنات والتمييز بين الطلبة، خصوصا مع وجود مؤسسات تعليمية ذات مستويات متفواتة، فهناك مدارس وجامعات متواضعة الميزانية، وتعاني من قلة الكوادر المدربة والفنية، مما يترك طلبتها تحت قسوة الشعور بالخوف من عدم ضمان حصولهم على حقهم في تحصيل المادة العلمية بكامل شرحها واركانها مقرنة بزملائهم الاقل حظا.

    لنتحدث قليلا عن العدالة، لننظر في صورتين متناقضتين، الصورة الأولى مثالية، يتساوى فيها ابناء المجتمع بامتلاك المقومات الاساسية والثانوية سالفة الذكر، وصورة على النقيض منها، حيث الفئة التي لا تستطيع توفير ما سبق، او بعض تلك العناصر، لنضع تلك الصورتين امام وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، قبل اقرار اي استراتيجية او خطط مستقبلية لاعتماد التعليم عن بعد كخيار ثانوي او أساسي في مرحلة ما بعد كورونا.

    ولان التعليم حق للجميع، فيجب ان تتوفر الامكانيات للجميع، بتوفير كافة الظروف والمتطلبات لانجاح العملية التربوية، وهذا لا يعني دعم الطالب فقط، بل يجب دعم المؤسسات التعليمية ايضا، ومراقبة ادائها وتقييم تجربتها بشكل مستمر، واجراء الدراسات القائمة على التغذية الراجعة، والتقليل من مبدا الصواب والخطا كي لا يقع الطالب ضحية التجارب، وتعويض الطلبة عن النقص الحاصل في الجوانب النفسية والاجتماعية بتوفير أنشطة وفعاليات تضمن ذلك.





    [28-11-2020 12:06 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع