الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    خيال تربوي في التعليم عن قرب وعن بُعد (1-3)

    باغتت جائحة الكورونا العالم أجمع، وأخذته على حين غرة أو غفلة، فكان عليه تقديم استجابات مستعجلة لها في الميادين والقطاعات كافة. ولما كان لا أحد مُعّداً أو مستعداً للجائحة فقد كان رد المجتمعات عليها كرد الإنسان البدائي: التعلم بالصدمة. ويبدو أنه حان الوقت بعدما راحت الصدمة وجاءت الفكرة إلى التعلم بالاستباقية.
    ومن ذلك أن العالم كله يمر في مخاض تعليمي تعلمي شديد، فالكورونا تتحدى المربين والعلماء والخبراء والناس جميعاً تعليمياً وتعلمياً: هل ستبقى المدرسة والجامعة كما نعرفهما أم انهما سيذهبان ويختفيان؟ أي هل سيستمر التعليم (الوجاهي) عن قرب أم سيحل محله التعليم (الغيابي) عن بعد؟ أم سيدمج التعليمان في تعليم وتعلم واحد (هجين / Hybrid) (Hybrid Education) ؟
    في لجّة هذا الغموض يخطر على البال عدد من المفارقات:
    • التعلم عن قرب قديم قدم الإنسان وإن تغيرت أشكاله على مر العصور ولكنه تشكل بالصيغة التي عليها الآن بالثورة الصناعية. ويبدو أنه سيعاد تشكيله بالثورة الرقمية.
    • التعليم عن بعد أقل كلفة من التعليم عن قرب، ولهذا تفضله الحكومات على التعليم عن قرب وتعمل في اتجاه تبنيه.
    • البطالة: وسيؤدي هذا التبني إلى بطالة أولية كبيرة، لأن التعليم عن بعد لن يحتاج إلى القوة البشرية والأبنية والمرافق التي يحتاج إليها التعليم عن قرب إليها.
    • التفاعل والاختلاط سيحل التفاعل الافتراضي (عن بعد) محلهما.
    • التميز: لن يكون هناك مدارس متميزة أو معلمون ومعلمات متميزين، وتلاميذ وطلبة متميزين، لأن المقارنة بينهم تصبح صعبة أو غير ممكنة أو لازمة.
    • تلقين: ما لم يتم ابتكار طريقة إلكترونية للتفاعل الفوري بين المعلم/ة والأستاذ/ة والمتعلّم/ة سيصبح التعليم عن بعد أشبه بالتلقين، أو بالقراءة الالكترونية مما يسمى بالذاكرة الضوئية (Flash Memory) أو القرص (C.D).
    • التعلم والورق والحبر: سوف تختفي بالتعلّم عن بعد، ويحل محلها الكتابة باللمس، والمطالعة أو قراءة القصة أو الرواية من الشاشة. وقد تختفي القراءة والكتابة تماماً ويحل محلها الصوت والصورة.
    • التجارب العلمية: تجري الكترونياً لا حضورياً، بالمحاكاة (simulation)، وليس داخل المختبر لأنه غير موجود بعد زوال المدرسة والجامعة. لكن قل لي: هل يمكن تكوين مهندس معماري، أو مدني، أو ميكانيكي، أو كهربائي، أو طبيب، أو صيدلي… عن بعد، أي بدون المشغل والمختبر والميدان؟ ربما.
    • الشهادات المدرسية والدرجات الجامعية: سيصعب تجميع وتحديد متطلبات الشهادة المدرسية أو الدرجة الجامعية، ومعادلتها، وقد تسقطان. وسينتهي الأمر بالاعتراف بالخريج وليس بالمدرسة والجامعة في امتحان المقابلة الإلكتروني مع صاحب العمل.
    • الأدوار: سيعكس التعليم عن بعد الأدوار التي كانت تقوم بها المدرسة والجامعة إذ بعد ما كانت كل من المدرسة والجامعة وكيلاً للأسرة والمجتمع في التعليم، وتعملان لتخفيف أثر الفروق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين المتعلمين بالتعليم العام الموحِّد، ستصبح الأسرة وكيلة افتراضية لهما بالتعليم عن بعد. وستتعزز هذه الفروق ومستويات التعلم باختلاف مستوى الأسرة.
    • وستخسر قلة من الأطفال في المدرسة التشجيع والتلميع الذي يمارسه المعلمون والمعلمات ويؤججان طموحهم إلى مواصلة التعلم، كما سيكسب معظمهم من غياب الوصم أو الاتهام بالسلبية.
    • فنون اللغة من خطابة وإلقاء وتمثيل ستختفي بالتعليم عن بعد.
    • الاحتفالات: سوف لا يكون لها مكان بالنظام الرقمي. سيتم التخرج رقمياً.
    • الانتماء: كان خريج المدرسة أو الجامعة ينتمي طيلة حياته إلى المدرسة أو الجامعة التي تخرج فيها، فإلى من أو إلى ماذا سينتمي خريج التعليم عن بعد؟ تذكر أن المنصات تحل محلها.
    • الدمج: هل ستسقط كل هذه الخيالات وينتهي الأمر بدمج التعليم عن بعد بالتعليم عن قرب ونشوء نوع من التعليم الهجين (Hybrid Education) فحسب جدلية هيجل: لدينا التعليم عن قرب كأطروحة (Thesis) والتعليم عن بعد كتحدٍ له أو طباق (Antithesis) يتفاعلان ومن المفروض أن ينشأ عن ذلك تركيب منهما (Synthesis) وهو التعليم الهجين.
    • هل ينتهي الأمر بالحضارة الرقمية وقد اكتملت إلى ظهور الإنسان الهجين (Hybrid human) الذي يتكون جسمه ودماغه من اللحم والعظم والتكنولوجيا؟ وهل ستكون قيمة الواحد بمقدار نسبة البيولوجيا أو التكنولوجيا في شخصيته؟
    • التماسك الاجتماعي (والوحدة الوطنية): سوف لا يكونان موجودين عندما تصبح الدولة رقمية تماماً، لأن التماسك (أو الوحدة الوطنية) ينشأ من التفاعل.
    • العزلة الاجتماعية أو الضياع: هل يكون المتعلم بالتعلم عن بعد أشبه بالضائع الذي ضل طريقه في صحراء، لأنه يتعلم ويلعب وحيداً أو بعيداً عن أقرانه واصدقائه وزملائه؟ مجرد علاقة عن بعد شبيهة بالصداقة الإلكترونية في الفيسبوك.





    [09-11-2020 08:14 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع