الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الفُتات!

    كتب: مصطفى صوالحه - تعثر أحدهم بحفرةٍ صغيرة في الشارع الرئيسي للمنطقةِ التي يقطن بها، تغاضى عنها وأكمل سيره وهو خائفٌ من أن ترشقه إحدى المركبات بالماء الذي يمتلئ به شارعٌ تتواجد فيه عشرات الحفر، بعضها جديد، وبعضها متواجدٌ منذ سنواتٍ عديدة، نعم سنواتٌ من عدم الاكتراث بما قدمه المواطنون إلى الجهات المعنية والمسؤولة عن ترميم الشوارع، كما أن فكرة الاستحمام علنًا على مرأى من بعض القطط المجتمعة حول حاوية القمامة يبدو سيئًا للغاية، عندها، نظر للسماء وردد قائلًا ألا ليتهم سوء ذلك يعلمون.

    في اليوم التالي، استيقظ متأخرًا، كانت الساعة السادسة صباحًا، فالمنبه لم ينجح في مهمة إيقاظه على ما يبدو، خرج مسرعًا من منزله لعله يستطيع اللحاق بالحافلة التي ستوصله إلى جامعته التي تبعد مسافة 40 كيلومترًا، اتصل بالمنسقة التي تعمل في شركة النقل الخاصة التي تُسيّر حافلةً كل نصف ساعةٍ إلى الجامعة، لكنه لم ينجح في تأخير الحافلة بضع دقائق، وهذا بالتأكيد يعني أن محاضرة الساعة الثامنة لن يستطيع اللحاق بها.

    بعد مرور 15 دقيقة وقف خلالها تحت المطر جاءت حافلة النقل العام التي ستوصله إلى "الُمجمّع"، استقلها وهو مبتلٌ حتى أخمصه، وإذا كان من المخطط له الوصول إلى مجمع الحافلات خلال 6 دقائق، فوقوف الحافلة المتكرر والإغلاقات التي يتسبب لها السائق حتى لا تحصل الحافلة التي خلفه على راكبٍ واحد، فإن الأمر قد يمتد إلى نصف ساعة، وهكذا فإنه سيكون محظوظًا إن وصل في الوقت المناسب لمقر شركة النقل.

    بعد قطع التذكرة والركوب في الحافلة التي تنطلق دون أن تكون ممتلئة بالركاب على عكس حافلات النقل العام التي لا تتحرك إلا إذا امتلئت بهم، تبدأ المحاولات المتعددة للنوم، لكن احتكاك رأسه بزجاج النافذة مرارًا وتكرارًا يحول دون ذلك، فإذا كان الشارع في منطقته يمتلئ بالحفر الصغيرة التي يتعثر بها الأشخاص، فإن هذا الطريق الرئيسي الذي يربط بين مدينةٍ وأخرى يعج بالحفر الكبيرة العميقة التي قد يحدث بسببها الكابوس الأكبر.

    مشاكل هذا الطريق لم تتوقف عن الحفر فحسب، فهناك التشققات العميقة والتي عند سماع صوت احتكاكها مع عجلات الحافلة فإن الرعب حينها يدب في كل من فيها، هناك أمرٌ آخر، وهو عدم وجود ما يفصل بين المسارب، هذا يعني بالتأكيد أن عمليات التجاوز ستكون فكرتها مثيرةً للسائق خاصةً عندما يكون هناك ما يعيق تقدمه، ويجب التفريق أيضًا بين ما يحدث في الصباح عن ذلك الذي قد يحدث مساءً، فعندما تبدأ الحافلة بالتحرك الساعة الخامسة مساءً في فصل الشتاء، فإن فكرة الجلوس في الأمام أو حتى بجانب السائق مخيفة، فالصعود والهبوط في الحافلة التي تسير على سرعةٍ عالية، إلى جانب الأضواء العالية من المركبات العكسية قد يجعلك تبدأ بتخيل السيناريو الأسوأ، وهو الموت.

    عند وصوله للمدينة التي يقطن فيها، ترجّل من الحافلة قبل وصوله للمجمّع واختار المشي لمنزله، الخطر الأكبر كان حينها هو عدم وجود مكان مخصص للمشاة، لذلك كانت فكرة المشي مخاطرة قد يلقي حتفه بسببها، لكنها راقت له، وكأن الموت لا لم يكن يخيفه حينها.

    قبل وصوله للمنزل، كانت عُمال البلدية يصلحون مساحةً منهارةً من شارعٍ رئيسي وكانت تتخذ قُطر ثلاث أمتار على الأقل، المضحك في الأمر أن المساحة التي تم إصلاحها قد انهارت مرةً أخرى، عندها ردد قائلًا أفتاتٌ هي شوارعنا..أم نحن الفتات بعينه؟.

    بعدها بدقائق، وعند دخول المنزل بعد يومٍ عصيب، لاحظ أن العائلة مجتمعةً تشاهد الأخبار التي تتحدث عن وفاة نائب سابق بحادثٍ مأساوي على الطريق الصحراوي، قبلها أيضًا وفاة نقيب المعلميين الأردنيين السابق أحمد الحجايا، وقبلها وفاة مواطنٍ آخر جراء تجاوزٍ خاطئ من آخر، العامل المشترك في كل الحوادث التي وقعت على طرقنا هو أن الأخيرة غير مهيأة وتحتاج إلى برامج إصلاح هائلة، فالطرق الداخلية والخارجية التي مر بها كانت تسبب لمركبته أضرارًا قد يكون إصلاحها مكلفًا، ربما هو محظوظٌ للبقاء على قيد الحياة حتى يصلحها، لكن الكثير من الأشخاص لم تتسنى لهم فرصة ذلك.

    قبل خلوده للنوم قرأ خبرًا يتحدث فيه أحد موظفي الكادر الحكومي عن امتلاك دولتنا لشبكة طرقٍ متطورة وتضاهي بذلك الكثير من دول العالم، أغلق هاتفه، نظر من نافذة غرفته وإذ بالحفرة الصغيرة التي تعثر بها التهمت جزءًا أكبر من الشارع، أغلق الستارة ورمى بنفسه على السرير، سريرٌ يشهد على الخيبات، وربما أكثر.





    [08-11-2020 04:49 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع