الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    م. محمد مرشد حماد - عمّان

    كانت عَمّان رفيقة طفولتنا وكبرنا ، وكثيراً كبرت هي ، وأضحت أقدامنا تعجز عن تحدي إتساع أسواقها وأحيائها الوليدة ، وربما تقدم بنا العمر هذا العدو الذي ينخر بخبث أجسادنا ، ويُضعف قدرتنا على السير .
    كم تغيرت عمان وكم تبدلت معالمها القديمة ، وربما صنعنا في مخيلتنا مقياساً وقارناها ظلماً بمدن الغربة التي أكلت أعمارنا كما تأكل النار الهشيم ، ويتألم المرء كثيراً حين يغدو شاهداً على تغير المكان الذي ينتمي اليه ، ويحمل له في مخيلته جميل الذكريات وأطهرها حتى لو كان هذا التبدل للأفضل والأجمل .
    كم يظلم الإنسان أخاه الإنسان ويتجبر ، وتضيع حقوق الكثيرين منّا وتُؤكل بالباطل ، ولكن عمان ظُلمت دوماً ، وباتت حزينة ، حالها كحال بقية مدن العالم ، وبقيت أنانيتنا ترفض إلا أن تراها الأم التي نَعقّها ونعود لحضنها دائماً ؛ فتستقبلنا ضاحكةً مبتسمةً وغافرةً ، وقلوبنا الآن تنفطر وعيوننا تبكي حين نرى شوارعها خاوية وأسواقها مغلقة عطفاً وخوفاً علينا .

    لم تعد مخيلتنا تتسع لأحلام اليقظة التي رافقت طفولتنا ونحن نجول شوارعها ونخطط لمستقبلنا ؛ فنختار فيها مكاناً للأوبرا تارة ، ومكتبة تُوزع فيها الكتب والصحف بالمجان تارة أخرى ، ونقرر أجمل الألوان لمبانيها ولون بلاط أرصفتها ، ومع تساقط المطر كنا نقترب من الواقع ؛ فنفكر في تصميم شبكة حديثة لتصريف مياه الأمطار ؛ لتمنع تجمعها في الشوارع المكتظة بالبسطات . أَهَّ ، كم غنت مقاهيك يا عمان الأغاني التي أحبها ، وكم تغيرت ملامح الجالسين في ساحة المدرج الروماني ولكن هل تغيرت أحلامهم أيضاً ؟
    ونعتذر لك مجدداً يا عمان فقد كبرنا ، ولم تَعد أحلام اليقظة تراودنا ولم نحقق ما همسنا به ليلاً في أزقة طرقاتك عندما كنا نحمل مع طيش طفولتنا همومنا الثقيلة التي كانت دوماً تهزمها أحلامنا ، ورغم ذلك كسرتنا التحديات والمسؤوليات وأحياناً الطغمة التي استغلت رحمتنا وعطفنا ؛ فقيدتنا وضيَّقت مساراتنا وسبلنا ، فلم نحقق ما كنا نصبو اليه معاً ، ولم أعد أملك إلا الدعاء ، وأن أقتل سكون الزقاق والشوارع صارخاً لا هامساً وأنشد :



    عمانُ يا وداً يحفظه الرب الكريم ؛ فيفيض فيها الوفــــــــــــاء
    أنتِ المنارةُ في ظلمةِ بحرِ الجنون ، والمشعلُ والضيـــــــــاء
    أصالةٌ فيك للسائلين ورفعةٌ وعزٌ ، وجودٌ يُحاربه الريــــــــــــاءُ
    عشقناك عمان مهما عزّ الرزق فيك ، ونال منا العنـــــــــــاءُ
    تبكين عمانُ ! لن يُضيّع الله أرضاً ؛ اصطفاها الأنبيـــــــاءُ
    وأصحاب محمد ، اختاروها مرقدَ طُهرٍ يذود عنه الأبنـــاءُ
    يا عيناً لا تنامُ داعية خالقها عفة ؛ فيُستجاب لها الدعـــــاءُ
    تسكنين كالنجوم قمماً ، وجبالاً ؛ لتحم قاطنيها السمـــــــــــــــاءُ
    حواضرك تنبع فخراً وعلماً ، والشفاء من أرواحنا والـــدواءُ
    ستصدح المآذن والأجراس لن يهزم الغدرُ الطُهرَ والـــــــــداءُ
    وسينبلج فجر تزهين به ، ويُضيء جمالَك النورُ والســــنـــاء
    أتخافين يا عمان من الغادرين ! سيمحق كيدهم الشرفـــــــاء
    فالبغي والظلم والرداءة ؛ كاليدِ إن فسدت يبترها الحكمــــــاء
    لن يضيع صالح ؛ فالشر مآله النبذ والخزي والإقصـــــــــــــــاء
    لا تسأليني يا عمان ، عن العرب لم يزل القهرُ والإعيـــــاءُ
    والقدس يا عمان ، لن تهون وأنت لها الرباط والشهــــــــــــــداءُ
    كم شَجّت جراحك وتراً ؛ لما تألمت بغداد وغزة والفيحـــــــــاءُ
    ستبقين يا عمان ، أماً وأمةً في مملكة يهيم فيها النجبـــــــاء

    م.محمد مرشد حماد





    [05-11-2020 11:40 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع