الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هل تتعلم من الصدمة؟

    الوظيفة الأولى والدائمة للدولة، أي دولة بالعقد الاجتماعي الذي نشأت فيه، توفير الأمن والأمان والعيش الكريم لجميع مواطنيها والمقيمين فيها، وعندما لا توفرها تعطي المجال لعودة شريعة الغاب.
    تعاظم الجريمة والفساد اختبار لمدى التزام الدولة بالعقد وبعدالة الالتزام. ولعل تفاقم الجريمة والفساد وتحرك الفاسدين دليل على ضعف الالتزام العادل به.
    لقد صارت الجريمة والفساد الإداري والمالي بما في ذلك الواسطة والمحسوبية أشبه بنظام مواز للدولة، أو دولة داخل دولة، والرأي العام يدرك ذلك ويشكو منه، ويضطر الجميع إلى التعامل معه.
    وتبلغ الأزمة ذروتها بانتهاك الدستور بأسس القبول الجامعي التي تستولي الكوتات والاستثناءات والقوائم والمكارم فيها على نحو خمسة وسبعين من المقاعد الجامعية كل عام، يضاف إليها ظاهرة المحاصصة والتدوير والتعيين والترقيه الانتقائية. إنها دعوة صريحة للمواطن ليفسد ويسعد، أو لينافق ليصعد. وكأن الذين ينعمون أو يرفلون بالامتيازات يخدمون الدولة مجاناً، وهذه الامتيازات هي أجورهم!
    وبتحول الجريمة بدرجاتها وانواعها وأساليبها، والفساد بأشكاله وصوره، كنظام مواز لنظام الدولة، فقد انهمك فيهما كثير من الناس وصاروا يمارسونهما عينك عينك، لأن أحداً لا يستطيع أن يسير مستقيماً في طريق معوج. ولأن الوضع صار مألوفاً فإنه لم يعد يوقظ الجميع إلا الصدمة كجريمة الزرقاء البشعة، والتي نخشى أن يتم تجاوزها ونسيانها كجرائم سابقة، وبعد مدة تقع جريمة مثيرة أخرى وتحدث الصدمة، ونلجأ للفزعة أو الحملة لحل المشكلة، ولكن الفزعة أو الحملة لا تحل المشكلة ولا تقضي على الأزمة، بل تثير السؤال: أين كنا كل هذه المدة التي فقدنا فيها أمننا ورزقنا؟ كما أن الحملة – كالعادة– ستنتهي حتما وسيعود المجرمون والسماسرة والعرابون سيرتهم الأولى.
    لقد أدت التربية السياسية العامة للناس في الأردن إلى نشوء طبقة سياسية ونخبة ثقافية تقاوم الاصلاح الجذري والتغيير الإيجابي تسمى جماعة أو مجموعة الشد العكسي، التي تربح من النظامين (الجريمة والفساد) أو تستفيد منهما، ومن ثم فلا تقبل أي إصلاح أو تغيير ينتقص من الربح أو الفائدة. وبمرور الوقت يتحول النظام الموازي إلى تقاليد.
    «لقد سرق بيتنا المتواضع خمس مرات وضاع كد العمر أي أغلى ما نملك مادياً، ولم يعد إلينا شيء منه بالشكوى»، حسب ما قال لي صديق. ويا لها من قسوة على نفوس الأبرياء أو الضحايا غير القادرين على حماية أنفسهم أو أموالهم، أو على تحصيل حقوقهم.
    «القانون بحد ذاته صامت»، أي لا يعمل من تلقاء نفسه. إنه بحاجة إلى إعمال السلطة التنفيذية والقضائية له، وكل موظف في الدولة من أدنى الهرم فيها إلى قمته، مسؤول عن احترامه وتنفيذه كل حسب موقعه» كما يؤكد أستاذ القانون الشهير لويس فريدمان.
    ويجب أن تشارك الأحزاب والحركات الاجتماعية أو مؤسسات المجتمع المدني السلطة التشريعية في صياغته، تتقدمها حركة حقوق الإنسان، وإلا ظلت الدولة أو المجتمع أسيراً للأعراف والتقاليد الناجمة عن الجريمة والفساد. فحقوق الإنسان ليست ضد العقوبة العادلة، ولكنها ضد التوقيف المتعسف ودون محاكمة، وضد التعذيب، وإلا كنا كمن يبارك تعذيب المجرم ضحيته في الزرقاء.
    إن كل إنسان يستفيد من هذه الحقوق ويلجـأ إليها عند اللزوم، وربما يكتشف بالتحليل والبحث أن النقص في ثقافة حقوق الإنسان أحد العوامل المهمة في شيوع الجريمة والعنف والفساد، وإلا فأين الجريمة في أكثر بلدان العالم احتراما لحقوق الإنسان مثل الدنمارك وفنلندا؟
    جريمة الزرقاء تقرع الجرس فهل من سامع أو مستمع له. والدولة الواعية تتعلم بالاستباقية لا بالصدمة.





    [02-11-2020 08:10 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع