الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    صراع الوطنية - م. محمد مرشد حماد

    منذ يوم الإنسان الأول على الأرض وهو يطور أدواته وأسلوب حياته باحثاً عن كل ما يسهل احتياجاته ، ولكن كانت وما زالت العلاقة التنظيمية بين الفرد والفرد أو بين الفرد والجماعة موضع خلاف وتبدل وبدأت هذه العلاقة بسلوك فطري وتطورت الى التشارك المنظم حتى وصلت الى التنافس العنيف الذي قاد الى السلوك الإقصائي تحت راية حرب الأفكار والمعتقدات .


    لا يُعرف على وجه التحديد الزمن الذي بدأ فيه السلوك الإقصائي لكن من وحي التاريخ يبدو أنه بدأ قبل ظهور الأديان كنتيجة لسعي جماعة ما الى الإستئثار بالطعام والموارد وحرمان الآخرين منها ، أي حروب إلغاء ووجود بين الجماعات على الجغرافية الغنية وبعدها أخذ هذا السلوك طابع الإقصاء والتنافس الفكري بشقيه الناعم والعنيف إبان ظهور الأديان والأيديولوجيات وساهم في توسعه تطور المواصلات وتضخم السكان .

    شهد التاريخ الحديث بلورة مفهوم الدولة التي تتجسد بالوطن مع تراجع مفهوم الدولة القومية أو الأممية التي تسعى لحكم العالم فكرياً وجغرافياً لصالح الدولة الوطنية التي تمجد الإنتماء للدولة ضمن حدود الوطن والحرص على تحقيق مصلحة شركاء الوطن واحترام تعدد الأديان والأعراق والأفكار قي جغرافية الوطن الواحد ولعب نجاح إدارة الموارد والمساواة في حقوق المواطنين الدور الحاسم في الإستقرار والتقدم لأي دولة .

    القوانين والقيم التي تُنظم العلاقة بين الأفراد أو بين الفرد والدولة من المفترض أن يكون مبتغاها وجوهرها تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين شركاء الوطن أي المواطنين والإتفاق المطلق والتام بينهم على حماية الوطن بحدوده ومقدراته وفضائه المؤثر ، أما الإختلاف بين الأفكار والمكونات لابد أن يكون على آليات البناء وبرنامج الإصلاح دون أن تتراكم على المسار ترسبات تمنع دفق التطور من الإنطلاق والتوحد لمواجهه التحديات وعدم تقييد المشاركة البناءة .

    حين انفجر مرفأ بيروت مثلا لم يفرق القتل بين أفكار ومعتقدات ضحاياه بل دفعوا ثمن بيروقراطية إدارته وفشل التواصل الفعّال بين المؤسسات المعنية لدرأ الخطر وحماية أبنائه حتى أُزهقت أرواح الكثيرين بما فيهم الأطفال الذين لم تتبلور توجهاتهم ولم ينتخبوا من يمثلهم .

    لا يحق لمن يعارض أو يؤيد اختصار حب الوطن به وبأفكاره ومعتقداته وأن يبرر كل ما يقوم به بحب الوطن فالوطن واسع جداً يستوعب كل الأفكار وضيق جداً حينما يُختصر في شعار يكرره أصحاب المنافع والطامعون في المناصب فلا يمكن أن يكون حب الوطن فقط البرنامج الإنتخابي لمرشح ومدخل البعض للتشهير والمتاجرة بحقوق الآخرين حان الوقت أن نطرح الأفكار ونعتبر حب الوطن من البديهيات تُنقش في أول الصفحة وإن إختلف تفسير هذا الحب وسببه عند البعض .

    علينا التفكير سريعاً ماذا سنكتب في باقي الصفحات لكن البعض لم يفكر بعد بالمحتوى وتلك المصيبة التي تجعلهم يتوقفوا بعد تلاوة الصفحة الأولى ويعتبروها كافية كونها كل ما يملكون لنيل أصوات الناخبين أو التغرير بهم.

    يجب أن يؤمن البعض أن حب الوطن ليس قصيدة أو كلمة المرور للمنصب وسلاحاً سحرياً ناجعاً ضد من يخالفه في الرأي ؛ فالإختلاف فطرة وسنة وحتمي الحدوث حتى يقود لحسن التشارك وشرف التنافس كون أساسيات المواطنة تبدأ بحب الوطن ولا تنتهي به ، فالوطن كالأم يحتاج الى من يطعم أبنائه ويعالجهم ويضع حلولاً لمشاكلهم ويصنع من ثرواته السيارة والطائرة ويمزج ثراه بعرقه ليجعل منه مروجاً خضراء .

    الوطن يتألم حين يُستورد قماش بيارقه ؛ فبيارق الوطن لا تزهو إلا بأزهار أرضه وما أجمل البيارق التي تُنسج بأيدي أبنائه ، الوطن تملأه الجواهر التي تنتظر عمال مناجم تستخرجها لتزين صدور بناته في أعياده أكثر من حاجته للتغني برصيده من الجواهر التي لم يجد سبيلاً لإستخراجها .





    [22-08-2020 01:13 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع