الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    قانون الكسب غير المشروع .. غير دستوري - د. ليث كمال نصراوين

    نقلت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن الحكومة تعكف هذه الأيام على إجراء تعديل على قانون الكسب غير المشروع باعتباره من التشريعات الوطنية ذات الصلة الوثيقة بمكافحة الفساد. إن مراجعة هذا التشريع يجب أن تنطلق ابتداء من واجب التحقق من مدى دستورية بعض نصوصه وأحكامه، خاصة تلك المتعلقة بإنشاء دائرة إشهار الذمة المالية ضمن التنظيم الإداري لوزارة العدل. فالمادة (5) من قانون الكسب غير المشروع تنص صراحة على أن تنشأ في وزارة العدل دائرة تسمى «دائرة إشهار الذمة المالية» تكون مرتبطة بوزير العدل، ويرأسها قاضي تمييز يسميه المجلس القضائي.

    إن المخالفات الدستورية في النص القانوني السابق متعددة، تتمثل في تعارضها مع المبادئ الدستورية الثابتة التي يقوم عليها نظام الحكم في الأردن، وفي عدم توافقها مع نصوص الدستور الأردني. فرئاسة قاض من محكمة التمييز لدائرة إشهار الذمة المالية المرتبطة بوزير العدل يشكل مخالفة صريحة لمبدأ الفصل بين السلطات، وتحديدا بين السلطتين التنفيذية والقضائية. فالفصل بين هاتين السلطتين هو فصل جامد لا يقبل المساس به أو الانتقاص منه بأي شكل من الأشكال. وقد تكرست هذه الاستقلالية للسلطة القضائية بشكل واضح في التعديلات الدستورية لعام 2011، وذلك من خلال إضافة المادة (98/2) إلى الدستور، التي تنص على إنشاء مجلس قضائي بقانون يتولى جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين.

    كما يشكل حكم المادة (5) من قانون الكسب غير المشروع مخالفة صريحة لنصوص واضحة في الدستور الأردني، أهمها نص المادة (27) التي تقضي بالقول أن السلطة القضائية مستقلة تتوﻻها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها. كما تتعارض المادة (5) من القانون مع حكم المادة (97) من الدستور التي تنص على أن القضاة مستقلون ﻻ سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. فهذه الاستقلالية المقررة دستوريا لكل من السلطة القضائية والقضاة العاملين فيها لا تتوافق مع تبعية قاض في محكمة التمييز لوزير العدل، وذلك عند تعيينه رئيسا لدائرة إشهار الذمة المالية.

    ومن المخالفات الدستورية الأخرى التي يمكن التمسك بها في مواجهة المادة (5) من قانون الكسب غير المشروع أنها تخالف حكم المادة (102) من الدستور التي تحدد عمل القضاة في المحاكم النظامية بممارسة حق القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية بما فيها الدعاوى التي تقيمها الحكومة أو تقام عليها. فهذا الاختصاص الذي حدده المشرع الدستوري للقضاة في المحاكم لا يتوافق مع إعطاء أحد قضاة محكمة التمييز عملا إداريا محضا يتمثل في ملاحقة المكلفين بتقديم إقرارات ذمتهم المالية، وتبليغ كل من يتخلف عن تقديم هذه الإقرارات في مواعيد استحقاقاتها القانونية. فاقحام أعلى جهة قضائية في الأردن–محكمة التمييز–في هذا العمل من خلال اختيار أحد قضاتها رئيسا لدائرة إشهار الذمة المالية من شأنه أن يجعل منها الخصم والحكم في الوقت ذاته، وذلك في أي منازعة قضائية تتعلق بمخالفة أحكام قانون الكسب غير المشروع.





    [20-07-2020 07:52 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع