الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    التعلم عن بعد والتذكير بتجربة بيروت العربية

    شغف الأردنيين بالتعليم وإدراكهم بأنه كان سبب بقاء بلدهم وصموده كان دوما قيمة كبيرة، حققت للبلد أعلى درجات المناعة في مواجهة التحديات، واليوم ما هذه الجلبة والاشتغال في التعلم عن بعد، واستعادة طلابنا من الخارج ما هي إلا توكيد على أن انشغال الناس في أمر التعليم واستعدادهم لتقديم كل ما يستطيعون لاجل تعليم الأبناء هو منجز اردني كبير، لكن ماذا عن الأبناء؟
    تذكرنا جائحة كورونا بتجربة الدراسة عن بعد في جامعة بيروت العربية منذ أواخر السبعينات وحتى نهاية التسعينيات من القرن العشرين، حيث فرضت الحرب اللبنانية ظروفاً معقدة حالت دون وصول الطلاب للجامعة، والسفر لبيروت، وكان على طلابها من الأردن ودول عربية اخرى ومنهم موظفين وارباب أسر أن يبذلوا جهودا مضاعفة، وهؤلاء شكلوا نسبة كبيرة من موظفي وقادة البلد في القضاء والداخلية والتعليم والجمارك، كما خرّجت الجامعة نخبة عربية في مجالات سياسية واقتصادية وتشريعية..
    لم يشتك الطلاب آنذاك من توقف الحضور والذهاب للجامعة، بل كانوا يدرسون ويفهموا وينجحوا بلا مدرسين وبلا قاعات درس ولا انترنت، في التخصصات الإنسانية طبعا، صحيح انها كان قاسية وربما لم تأت بافضل الخريجين. لكنها كانت حلا دراسياً للبعض، وخرجت كفاءات مشهود لها اردنيا وعربيا ومنهم الكاتب والشاعر والصحفي الأردني جورج حداد وتوفيق كريشان وعيد الفايز وعشرات القضاة والمحامين من الأردن، مع قائمة عربية ابرزها رفيق الحريري وفدوى البرغوثي من فلسطين وعبدالله بن ناصر آل ثاني من قطر وسلميان البدر وزير التربية الكويتي الأسبق.
    اليوم طلاب في الجامعات يشكون من أن المواد صارت كثيرة ويطلبون تخفيف مادة الفاينل، ويتحججون بأن النت «بقطع» مع ان النص متاح لهم pdf او بنظام words وأحيانا يكون مسموعا ومرئيا مسجلا من خلال منصات خاصة او مواقع متخصصة. وفي اي وقت يتاح اهم مراجعة الدرس. وفوق ذلك لا يريدون ان يتعبوا انفسهم بالبحث، واتكاليتهم عالية ويتأخر كثير منهم بتسليم الواجبات، كما أن تململهم من التعليم الالكتروني جزء منه لأنه لا يسمح لهم بالغياب ويُظهر جيداً الطالب المتابع والمهمل.
    ليس ذلك تعميما على الكل طبعاً. بل إن هناك منهم من هو جاد وملتزم ويتابع ويسأل ويصحح معلومة خاطئة يقدمها الاستاذ بكل أدب. لكن العلة في البعض متأصلة للاسف. ومع ذلك، ليس لنا الا الصبر والتحمل فهم ابناؤنا، وعليهم أن يدركوا حجم معاناة ذويهم في توفير مصروفهم ورسومهم، وأن التعليم والتعلم يجب أن يستمر في اسوأ الظروف.
    كنت دوام اقول للطلاب ان الغياب الغير مبرر عن المحاضرات، هو استهتار واهمال، وكيف لكم ا تتخيلوا معاناة طلاب عرب يعيشون في بلادهم ظروف حرب مثل سوريا او ليبيا أو احتلال مثل فلسطين، وانتم هنا في رغيد العيش، ولكنكم تصرون على الاهمال، وتحبطون اهلكم وذويكم، ومع ذلك نحن نظل نتلمس منهم الخير ولا نفقده، ونأمل لهم بذل المزيد من الجهد واستحقاق ما يستحقون من علامات مقابل جهدهم.





    [21-04-2020 09:27 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع