الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    خواطر كورونية

    تامر العطاري - باتت أيامنا أشبه بمشاهدة مباراة كرة قدم بين برشلونة وفريقك المحلي المفضَّل، أنت تعلم النتيحة وقادر على تنبؤ ما سيحصل لكنك مجبر على مواصلة المشاهدة ومحاولة توقع شيءٍ جديد قد يُغير مجرى اللقاء، فالأيام متشابهةٌ بصباحها ومسائِها، نقوم بواجباتنا كاملة، بشكلٍ متكرر، يشوبها الملل، فجدرانُ بيوتنا صارت سجوننا، لا مفر منها إلا إليها، في كلُ فجرٍ نصحو على صراخِ الديكة آذنةً لحريَّةِ يومٍ جديدٍ إلى أن تأسرنا صفارات الإنذار.

    إقتحمت عاداتٌ غريبةٌ علينا مجتمعنا، كالسير على الأقدام، والتسوق بلا مركبات، وأُخرى أهملناها سابقًا؛ كالجلوسِ مع الجيران، وشرب كوب قهوةٍ مع البواب، إستطعنا خلق روابط اجتماعية قوية، حتى أننا تمكنا من إقامة حفلات عيد الميلاد عبر الانترنت؛ لنشارك العائلة بالاحتفال فيها، ومارسنا أعمالنا دون الوصول لمكاتبنا الفاخرة، وأخذنا دروسنا عن بعد دون الحاجة للجلوس على مقاعدٍ متهالكة! أنماطٌ جديدةٌ من الحياة لم نعتد عليها، أبعدتنا عن العيش وفق قوانيننا وأجبرتنا على الإلتزام بقوانينها.

    وما زالت شوارعُنا خالية، يسكنها الجيش ورجال الأمن، يحرسونها من تطفلنا ووجودنا بين أحيائها، يعطونها قبلة الحياة من أزماتنا وتلوث الهواء بمركباتنا، واللون البرتقاليُّ عانق إشارات المرور، فلا أحد يعبرها باستثناء رجال الأمن وبعض حملة التصاريح، أسواقٌ مغلقة، محلاتٌ امتلأت بالغبار، بضاعة تكدست فوق بعضها منتظرةً المشترين.

    انقطع الصخب المعتاد من الحياة، صار الوضع هادئًا، الورود تنمو كما يحلو لها، والأشجار ناصعة الخضار، والطيور حرة، والقطط تتسائل مندهشة: "أين أطفالُ الحجارة؟" لا نفايات متراكمة هنا وهناك، لا ملوثات بالهواء، رحلاتنا صارت على أسطح منازلنا، طائراتنا أصبحت ورقية، وشمسنا مازالت رمز حريتنا.

    خلّت الشوارع من البشر، لكنها؛ إمتلأت البيوت بالحُب.





    [20-04-2020 08:46 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع