الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    بروباغندا الإعلام والبحث عن الحقيقة

    يونس الكفرعيني -  لم يكن ينقص هذا الوباء او يضاهي سرعة انتشاره، سوى هذا الكم الهائل من التدفق الاعلامي والمتابعة الشرهة في تلقف اخباره، نشرات الاخبار والتحليلات وكل ما له علاقة بالمكون الإعلامي بالكاد يذكر شيئا غير الكورونا، لتشعر انك تعيش في كوكب جديد اسمه (كوفيد-19).

    لا انكر ان الحدث جلل، وان ما يحدث نتيجة هذه الجانحة امر لا يمكن تجاهله، وان تاثيره طال القاصي والداني في هذه المعمورة، هناك اقتصادات تنهار، وشعوب باكملها تعاني، وتنامي نظريات ظهور نظام عالمي جديد، وانقلاب واضح في شكل التحالفات والخلافات بين اقطاب العالم، كما اننا لا يمكن ان نغض النظر عن التغير الواضح في نمط السلوك الاجتماعي، البالغ الوضوح في طريقة التكييف مع الحظر المنزلي والتباعد الاجتماعي والتذبذب في القدرة الشرائية والتبعات الاقتصادية المقلقة.

    وهنا يبرز سؤال مهم، هل تعامل الاعلام العالمي بالمهنية المطلوبة في التعاطي مع ازمة كورنا؟ هل كانت معايير الاعلام الموضوعي والمهني مطبقة في نقل المعلومات؟ هل ظهرت روح الشفافية والموضوعية في تقصي المعلومة الصحيحة؟ هل وجدنا الحيادية والعقلانية في فهم ما يحدث في اصقاع الارض؟ كيف حارب الإعلام المنافس الشرس للكورنا الا وهي الشائعات؟؟

    ان العبارة المشهورة في وصف قوة الاعلام والتي تصفه بالسلطة الرابعة، تحتاج الى تغيير في تصنيف هذه القوة الناعمة، ان الاعلام في زمن الكورونا يمكن القول انه يحتل القوة الاولى عالميا، فهو المسؤول اولا واخيرا في تعباة الراي العام، وتشكيل اسس التعامل في داخل الدولة الواحدة، فتناقل المعلومات المتعلقة بالفايروس كورونا غزيرة جدا ولا يمكن حصرها الا بجهد جهيد.

    البروباغندا تعني نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص (وكيبيديا) وقد بدات ملامح البروباغندا الإعلامية في زمن الكورونا منذ ظهور الاحصائيات المتعلقة بالاصابات والوفيات، والتي كانت السمة الابرز منذ بداية الازمة وظهورها في الصين، لم يكن هناك اي ذكر للمتعافين، او اي بارقة امل ايجابية ترافق هذا الوحش الخفي، لم نكن نسمع الا ارقام الاصابات في عدادات تسارعت من بضع مئات حتى وصلت الى عشرات الالوف من المصابين، رافقها متسابق مخيف، يذكر اعداد الوفيات، دون ذكر واضح او تلميح لافت يذكر عن عدد المتعافين منه.

    في هذه اللحظة وفي ظل صمت العالم والاكتفاء بالمراقبة، رافقه عدم اكتراث من قبل الشعوب على الاقل، واستمرار الحياة بشكل طبيعي، لا يقطع هذا الصمت الى بعض هدير الطائرات التي تنقل رعاياها من مناطق الوباء، وبعض تصريحات منظمة الصحة العالمية التي بدات وكانها خجولة في وصف الحالة الراهنة في الصين في ذلك الوقت.

    الاعلام لم يكن صامتا، ولم يفوت الفرصة، بل بدات ادواتهم في نشر الاخبار، وتسارعت التحليلات والنتائج بالظهور إعلاميا، تصور الحياة اليومية لسكان ووهان وغيرها من المناطق التي انتشر فيها المرض، مشاهد اقسى من مشاهد الحرب والمجاعات، اناس يموتون في الشوارع، واعتقالات بطرق مخيفة، وحصار اجتماعي ونقل الصور عن المدن الكبيرة وكانها مدن اشباح، ناهيك عن الصور الانسانية لحياة الاطباء والممرضين وبكائهم من شدة التعب والخزن والشوق لاحبائهم.

    عندما تناقل العالم تلك الصور، تحقق الهدف الاساس من هذه الحملة الضخمة من تعباة الراي العام العالمي وتحضيره للتعامل بهذا الكم من الخوف والقلق والترقب، وتعالت الدعوات والابتهالات ان يعصمنا الله منه، وبدات الدول في تقنين دخول الزئرين اليها، واعداد قوائم سوداء منهم، وبداءت ملامح الانغلاق العالمي يظهر بالافق.

    مع ادراكنا لاختلاف هذه الجائحة عما سبقها من الاوبئة التي ظهرت في اخر السنوات مثل انفلونزا الخنازير او الطيور في اسيا او مثل ايبولا التي ظهرت في افريقيا، الا ان تلك الاوبئة لم ترافقها البروباغندا الإعلامية بهذا الشكل المنظم والمدروس، وما زال الاعلام يقوم بواجبه على اكمل وجه في تصعيد الخوف من هذا الفايروس، والعزف على الوتر الحساس لدى الدول والشعوب وهو الخوف على الحياة والاقتصاد.

    ان ردة الفعل المضادة لاصحاب الفكر العفلاني والاطباء المستقلين والمؤثرين في العالم من اشخاص ومؤسسات، بادرو وبشكل لطيف، بنشر القوة المضادة لهذه الحملة الترويجية ان جاز التعبير والتي يمارسها الاعلام الموجه لحساب كورونا، حتى بدانا نرى وعبر الشاشات نوعا جديدا من التعداد يلفه الامل والتفاؤل، حين نرى اعداد المتعافين ومن تماثلوا للشفاء بدات تنافس اعداد المصابين، الى حد التفاجئ بان اكثر من 90% من مصابي كورونا في الصين قد تعافوا.

    اليست هذه مدعاة الى تناول المسالة بعين الواقعية بعيدا عن مغالاة الاعلام والدفع بتسخيره كسلاح اشد فتكا من الفايروس نفسه ومن يقف وراءه، ان ضحايا هذا التهويل قد تجاوز حدا حطيرا قد تعاني منه البشرية لسنوات، دعوة امل وتفاؤل ممزوجة بالعقلانية اثناء تناول وجبات الاعلام، والحذر وتوخي الدقة والحرص على عدم التعاطي مع الاخبار المضللة والشائعات.





    [17-04-2020 11:05 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع