الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    كورونا، نمط لحياةٍ جديدة!

    الحياة مُستمرة في الأردن، وإزدحامات السيرِ في عمان ما زالت خانقة، الناس يلعنون الحال مِراراً وتِكراراً، آملين ان تتوقف عجلة الحياة للحظة، أن يتخلصوا قليلاً من همومهم العالقة في أذهانهم، أن يبتعدوا عن لهيب العمل الذي لا ينتهي، حالمين بقضاء أسبوعٍ كاملٍ في إجازةٍ مدفوعة الثمن بحديقة منزلهم. ولكن؛ لم يخطر ببالِ أحدٍ منهم، أنهم سيُّجبرونَ على أخذ إجازةٍ غير معروفة المدة رُغمًا عنهم؛ مُتمنين حينها إنتهاء تلك الإستراحة والعودة مجدداً إلى ضجيج الحياة وصخبها المُعتاد.

    أستجيبت الآماني، وتوقفت الحياة عن النبض، جلس الجميع في بيته، غير أنَّ أمانيهم ارتطمت بلعنة الوباء، الذي انتشر داخل حدود الدولة فسلبَّ منهم حريتهم كلها. فالشعب الذي اعتادّ دوماً على الحرية المطلقة لم يتخيل نفسُه يوماً محروماً منها، أو يُمنع حتى من النظر إلى ضوء الشمس الساطعة في أوج النهار، لطالما كان مُجتمعاً حُراً لا يُطيق أن يُزَّجَ به داخل زنازين مُغلقة، الخروج منها عبارة عن خرق صريحٍ للقانون الذي لطالما منحهُ حُرية الطيور في التجوال والتِرحال.

    جُلُّ الحياة تسير داخل حدود المنزل الصغير، الذي بات عبارة عن دولة مستقلةٍ لساكنيه الذين يسعون إلى حمايته من الوباء. تغيَّرت أساليب الحياة، وأدرك الناس قدرتهم على الاستغناء عن المأكولات السريعة، وتحضير الطعام بأنفسهم في المنزل، كما تقاربت كثيرٌ من العائلاتِ معًا أكثر من ذي قَبل، وانحصرت التنقلات بين غُرف النومِ والمطبخ، فيما لم يتمكن الناس من رؤيةِ الشمسِ إلا من نوافذ غرفهم!
    العمل بات أكثر سهولةً عن بُعد، كذلك التعليم، ولم يعد الناس بحاجةٍ للتورط في الازدحامات أو التنقلِ بين المحافظات، وقدَّست بعض الأُسَرِ وجبات الطعام التي لم تكن تجمعهم نتيجةً لانشغالهم، لم تخلو أجواؤهم من المشاحنات والشجارات، غيرَ أنَّ هذا لم يكن مهماً، فالمهم هو وجودهم الدائِمَ معًا، أدرك الكثيرون أنهُ يمكن الحديث مع الأصدقاء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأنَّ نقودهم التي كانت تُنفقُ هنا وهناك يمكنُ إدخارُها.

    فيروس لا يُرى بالعين المجردة، جردّنا من رداءنا العفن، وأظهرنا على حقيقتنا، كنا مهوسون بحياة الترف، حياة الوحدة، تحت شعار "المهم راحة بالي"، لم يزُر أحدنا جاره منذ سنوات، بل وحتى لم يطرح يوماً عليه السلام، كان طعام غدائنا من سلسلة المطاعم السريعة، بيت العائلة كان مجرد فندقٍ نرتحل إليه وقت النوم، أُمهاتنا لا نكاد نراهم ونُبررها بحجة الوقت، العمل كان همنا الأكبر وجحيم حياتنا، الشوارع مُزدحمة دوماً، الهواء ملوث، والأيام تدور ونحن نلعن الظروف. مراسم العزاء مُكلفة لأهل الفقيد، و"برستيج" الأعراس همٍ يكسر ظهر العريس، حياةٌ مليئة بالنفاق، كلها انتهت، بلمح البصر، والسبب تمثل بذلك الوباء الذي أعلن بأننا مجرد فاسدين بالأرض، نأكل منها، ونلعن ظروفها.

    فـلا مراسم عزاء مُكلفة بعد الآن، ولا نِفاق برُقي حفلة زواج أحدنا المُزيفة، لنصبح أكثر قُرباً من بعضنا البعض، لنترك كل تلك المعتقدات البغيضة والتكاليف المقيتة تذهب أدراج الريح مع الفيروس، ولنتأكد ببدء حياةٍ أخرى، أكثر اختلافًا ومرونة حين نخرج من منازلنا مرةً أخرى.





    [11-04-2020 02:00 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع