الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    توقعات كورونية مزيفة

    ريما محسن - مرهونون نحن بردود الأفعال على نحو عجيب، والمشكلة أن ردود الأفعال تلك تحملنا معها في كل مرة بعيدا عن كل ما يرتبط بحسابات العقل والمنطق، حيث يصبح الكلام ونشره هو هدفا بحد ذاته بغض النظر عن مضمونه وهل هو مما ينفع الناس في الأرض أم على العكس.

    مع بداية أزمة فيروس كورونا انهالت علينا كمتابعين وقارئين الكثير من الرسائل والمنشورات كلها تصب العديد من النصائح المرتبطة باستغلال الوقت والانتفاع من البقاء في المنزل على نحو إيجابي ومثالي تماما.

    القليل فقط من تلك المنشورات أشار الى المشكلات والأزمات الى قد تظهر مع امتداد فترات البقاء في المنزل، نسبة بسيطة جدا منها تطرقت الى مواضيع الضغط النفسي وأنواعه وكيفية التعامل معها، فقد سادت أجواء من الإيجابية الخيالية التي لا تمت للواقع بصلة، وحتى تلك التي لم تهمل هذا الموضوع فقد ألمحت اليه بشكل نظري ولم تقدم حلولا عملية قابلة للتنفيذ ضمن المتاح من الخيارات داخل المنزل.

    ومع طول المدة بدأنا نلمح الان نوعا آخر من المنشورات كلها تدعم فكرة: أن لا بأس، هون عليك وعلى من حولك، لا بأس إن لم تستطع انجاز الكثير، لا عليك فكلنا هكذا قابعين تحت وطأه الضغط النفسي والخوف والهلع بقدر قليل من الطاقة، لا مشكلة ان لم تستطع قراءة مئات آلاف الكتب التي أتيحت لك عبر مواقع المكتبات، ولا يهم إن لم تتقن خمس لغات جديدة بعد، وحتى فيما يتعلق بمئات البرامج المجانية التي لم تتمكن من حضورها واقتناص شهادتها، لا بأس حقا.

    الافتراض الوهمي أن بقاء الناس في المنزل سوف يغير من عاداتهم اليومية وسلوكياتهم المعتادة كان خطئا من البداية، كل انسان له تركيبته الفريدة التي تشكلت عبر مزيج من الصفات التي ورثها وأخرى اكتسبها من ظروف الحياة والبيئة المحيطة.

    والأكثر من ذلك هو تفرد الانسان، كل أنسان بأحلامه وطموحاته بكل ما تحمل من تحديات ومصاعب يقف وحيدا في مواجهتها على مدار اليوم والساعة.

    لست في صدد مقارنة الأفضل والأسوأ او الانفع والأقل فائدة إنما لابد من الاعتراف أننا مختلفون تماما عن بعضنا، ومن غير العدل ان نفترض تساوي النتائج والمخرجات على الرغم من تفاوت المدخلات ابتداء.

    ومما يزيد الوضع سوءاً، أننا لا نتحدث عن ظروف حياة طبيعية نطلب فيها من الناس أن يتألقوا ويتعلموا ويقرأوا ويطوروا من أنفسهم ويصلوا الى ما لم يتمكنوا منه عبر حياتهم كاملة، إننا في خضم أزمة عالمية حقيقية بدأت تلقي بظلالها الثقيلة على حياتنا دون أن نستطيع حتى اللحظة رؤية أية مبشرات بقرب انتهاءها.

    كل ما هنالك أنه لابد من أن نكون أكثر واقعية ومنطقية في توقعاتنا من أنفسنا والمحيطين بنا، لربما أن الله قد أنعم على البعض منا بقدرات عالية من التأقلم والمرونة والتكييف مع الأوضاع الجديدة وغير المتوقعة، ربما أن بعض البشر مجبولون على النشاط والحركة وسرعة البديهة في اغتنام كل الفرص المتاحة، ربما وربما.. لكن الحقيقة الثابتة هي أننا مختلفون كثيرا عن بعضنا البعض، ولكن صمام الأمان هنا هو مراعاة هذه الاختلافات والفروق الفردية بشكل أكثر تأنٍ ودراية.

    إن الازمة الحالية ومثيلاتها من أزمات الحياة تشكل عبئا بحد ذاتها على الانسان وقد تكون عائقا أمام ممارسته لمهام حياته الطبيعية ومن القيام بواجباته المطلوبة منه، ومن الحكمة بمكان ألا نضع على أكتافنا أو اكتاف غيرنا المزيد من الضغوط التي نربطها بشكل مباشر بتقديرنا لذواتنا وثقتنا الشخصية وتقييمنا لأنفسنا.

    في نهاية الأمر سنرى أن كل منا تابع حياته بطريقته الخاصة، وأتم ما استطاع من واجباته بما اعتاد عليه، وأنه استمر في حياته تلك بما هو متاح له بالطريقة المثلى التي ارتضاها هو لنفسه وليست تلك التي أُمليت عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أبالغ بالقول ان قدرة الانسان على المحافظة على التوازن النفسي الذي يمنحه القوة على متابعة حياته ومسؤولياته اليومية هو بحد ذاته إنجازا ونجاحا لم يتمكن منه الكثير في خضم هذه الأزمة.





    [04-04-2020 08:48 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع