الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    مقتل سليماني

    جولة أخرى من المواجهة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران تنتهي بمقتل الجنرال قاسم سليماني، وبذلك توجه الولايات المتحدة صفعة لهيبة النظام الإيراني وبخاصة وأن قاسم سليماني يجسد روح التحدي الإيرانية للهيمنة الأميركية ويمثل أيضا رأس حربة في المشروع الإقليمي لإيران.

    الإدارة الأميركية تريد أن تستعيد قوة الردع وتعيد التأكيد على الخط الأحمر الأهم في المواجهة مع إيران، من هنا نفهم أن قتل أي أميركي هو أمر لن يمر من دون رد صارم حتى لو تطلب الأمر استهداف رموز النظام الإيراني. فالتصريحات التي تأتي من واشنطن تعكس فهما مختلفا عما تقوله إيران، فقاسم سليماني هو من نظّم الزحف على سفارة الولايات المتحدة في العراق، وعليه استنتجت الولايات المتحدة بأن سليماني كان يخطط أيضا لاستهداف الجنود الأميركيين في العراق وهو أمر لا يمكن للرئيس ترامب أن يتعايش معه.

    لكن في الوقت ذاته لا يمكن اعتبار الضربة الأميركية كأي ضربة سابقة، فالنظام الإيراني يشعر بإهانة شديدة وعليه الآن أن يرتقي لمستوى التصريحات التي كان يطلقها ضد الولايات المتحدة، وعليه لا يمكن للنظام الإيراني مهما كان عاقلاً ألا يرد على هذه الإهانة التي جاءت بتوقيت حساس بالنسبة لإيران.

    فالولايات المتحدة بهذا المعنى لم تعد تكتفي بممارسة سياسة الضغط الأقصى عن طريق العقوبات وإنما استهداف إيران مباشرة. النظام الإيراني بات يشعر كمن يقاتل متكئا على كعب قدميه، لكن في الوقت ذاته لا يمكن للنظام الإيراني أن يأتي برد دون الأخذ بالحسبان أن الرد الإيراني القادم ربما يستلزم رداً أميركيا آخر ما يعني سلسلة من سوء التقديرات المتبادلة وبالتالي الانزلاق إلى حرب لا يرغب بها أحد.

    ما من شك أن التصعيد العسكري هو خطر، فلا إيران بحاجة له وبخاصة وأنها تعاني من حصار وعقوبات حرمت النظام الإيراني مما يقارب من مئة مليار دولار سنويا، ولا الولايات المتحدة بحاجة إلى حرب إضافية في الشرق الأوسط وبخاصة وأن الحرب هي آخر ما يحتاجه الرئيس ترامب في موسم الانتخابات الرئاسية بعد أن قام مجلس النواب من الكونغرس بعزله.

    طبعا مقتل سليماني يجسد محطة مفصلية في العلاقات بين طهران وواشنطن، لكن بتقديري فإن إيران أصبحت في ورطة كبيرة، فللمرة الأولى يتعين على طهران – بدلا من وكلائها – توجيه ضربة عسكرية بهدف قتل أميركيين.

    وأي عمل أقل من ذلك سيعكس خوفا وترددا إيرانيا استمرت طهران كثيرا في اثبات عكسه وإن كان لفظيا. لكن إذا ما قامت إيران بعمل كهذا فإنها ستحرج الرئيس ترامب الذي سيفضي إلى رد أميركي أكثر ضراوة، فأميركا أسست لحالة من الردع تتضمن ضرورة أن يكون الرد الأميركي ردا قاسيا ومؤلماً.

    صحيح أن الجنرال قاسم سليماني هو مسؤول عن مقتل المئات بل آلاف من العراقيين والسوريين، وهناك من يرى بأن نظام الأسد ما كان سيصمد أمام الثورة السورية لولا مساهمة قاسم سليماني واستهداف السوريين، لكن قد يفتح اغتيال سليماني صفحة جديدة عنوانها المواجهة المفتوحة وما يمكن أن تتطور إليه الأمور.

    الجانب الأميركي يتحدث عن إيجابية هذه الخطوة لأنها ستردع إيران في قادم الأيام، فإيران بهذا المعنى وإن كانت تمتلك إمكانات عسكرية معقولة إلا أنها ليست كافية لأن تخوض مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة التي يميل ميزان القوى لصالحها بشكل فادح.

    من المبكر التوقف عند طبيعة الرد الإيراني، ولا عن مكان الرد الإيراني ولا حتى شكل الرد الإيراني، وبتقديري فإن شكل هذا الرد سيرسم ملامح المواجهة في الأشهر القادمة.





    [04-01-2020 09:44 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع