الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حقيقة - د.صلاح داود

    كحلم في منام.. وبعد كل هذا وذاك بدأت الحقيقة بالظهور في عيني وبصيرتي فانقشع الضباب عن قلبي وتجلت الرؤيا، وظهرت الدنيا أمامي بحجمها الحقيقي، عبور ومزار لا أكثر.. هذه هي الحقيقة، حملنا نعوشهم اليوم وغدا سيحملون نعوشنا إليهم ويستوي السابق باللاحق.. وهمٌ بوهم وكل ما نمسك به سينفلت ويمسي هباء..

    دنيا تغتال القلب والعقل والروح معا ، ومع ذلك فإنها أمام الحق واهية ضعيفة متهافتة متهالكة تأكل وتقتل بعضها بعضا كبحر لجي مظلم تأكل أمواجه بعضها ومن يغرق فيها، والحقيقة الثابتة في هذه الدنيا أننا جميعنا سنموت في النهاية، ولكن المهم هو كيف سنموت وكيف سنصل ربنا؟ وما الذي سنراه عند وبعد الوصول؟

    وفي لحظة الوصول وعند إقامة الموازين.. عندها فقط سنرى ونعلم ماذا يعني العمر بضع وسبعون عاما ربما أقل أو أكثر.. ماذا يساوي أمام الأبد والخلود.. وحينها سنتذكر ما قدمنا وأخرنا وما رفعنا ووضعنا..

    وسنسأل أنفسنا في ذلك المشهد عن فعل الشر الذي لم نفعله وعن الخير الذي قدمناه.. عن يد عون وصدقة ومعروف وابتسامة ولقمة في بطن من يستحق ولا يستحق.. سنتذكر أمورا ظننا أنها لا تساوي جناح بعوضة ولكنها عند الله أعظم من الدنيا وما فيها... سنذكر بداياتنا وخواتم أعمالنا.. ما فعلنا وما لم نفعل وما ندمنا عليه ورجعنا وما لم نرجع.

    حينها سيقرأ كل منا كتابه، وحينها لن يكون لنا العذر أبدا.. سندرك حينها برد السلام، وتنتشر السكينة ويحل في القلب الهدوء.. كل شيء فوق الزمان والمكان.. شجرة مباركة ونور على نور بلا شمس ولا نجوم.

    إحساس مؤنس ولحظة فريدة وإلقاء للهموم والدنيا خلفنا.. ليس بيننا وبين الجنة شيء، نشعر بها بقلوبنا مجابِهة للجمال، هي لحظة الحقيقة.. لحظة الاستنارة والإدراك.. ما هي الدنيا أمام الآخرة.

    أقف أمامها مذهولا كالطفل الطاهر، أكاد أرى داخلها وأشم عطورها ونسماتها، عطر وورود وعطاء بلا زوال، أسلمت نفسي وروحي لها فسقطت كل الآلام والأوجاع، وحقت لي المودة وحل بي السلام.. وغنيت في قلبي معزوفة سماوية.. نحن في سعادة وبعد الآن لن يعني لي الموت شيئا.

    هناك وجدت السجايا الحلوة والنفوس العذبة والخلال الكريمة.. لا خيبة للأمل ولا وانقطاع للرجاء ولا خداع للألوان ولا سراب، وتعلق بالذي ليس كمثله شيء.. ورجاء يا رب نظرة واكشف الحجاب..

    وأعود مرة أخرى بينكم لأنظر السبيل وأعرف الطريق والدليل، إخلاص وسلامة قلب وطهارة يد وزهد بما بين يدي الدنيا.. وعطاء وتضحية لتكون كلمته هي الأعلى والأول والآخر... هنا كانت الحقيقة لا بكاء بعد الآن على نجاح أو فشل.. إن البكاء على من ضيع إلهه فلم يجد من بعده عوضا.. وصدق الله العظيم حينما قال: (إنه كان وعده مأتيا).





    [24-11-2019 09:10 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع