الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ما أثر قضية المعلمين على المجتمع؟

    ثمة الكثير الذي يمكن أن يقال في قضية المعلمين، ومنه ما يرتبط بحركة المجتمع وفاعلية مؤسساته في ترسيخ ثقافة التعبير السلمي عن المطالب، حتى وإن كان هناك خلاف على الاضراب في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة.
    الحراك المجتمعي، هو حاجة للدول حتى وإن شعرت بعض مؤسساتها أنها تضررت راهنا، بما قد تقدمه من تنازلات، والحاجة تتمثل هنا في القدرة على تحريك المجتمع ليكون قادرا على انتاج قيادات جاهزة للاشتباك مع القضايا الكبرى وبما يخدم الدولة.

    لقد أُصيبت بعض مؤسساتنا العامة والأهلية خلال السنوات الماضية بـ "التكلس”، ما حرم المجتمع من وجوه جديدة فاعلة وجادة يمكن الاستفادة منها في تجديد دماء الدولة بكافة مؤسساتها.

    المعلمون، أنتجوا خلال الشهر الفائت حراكا مجتمعيا، وأفرزوا كوادر نقابية ممكن أن يكون لها شأن في المقبل من الأيام، وبما يصب في مصلحة الدولة وسريان الجديد من الدماء في عروقها، طالما ظلوا ملتزمين بسلطة الدستور والقانون.

    الدول التي سبقتنا في التجربة الديمقراطية، ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه إلا بحراك مجتمعي، لأن مثل هذا التحركات هي بمثابة ناقوس انذار يدق في وجه الحكومات لأن تضع في حسبانها أن هناك مجتمعا حيّا لم يعد يقبل أن يكون الحلقة الأضعف الذي عليه أن يدفع ثمن سوء التخطيط وضعف الإدارات في رسم مستقبل آمن للمجتمع.

    لتضع في حسبانها أن هناك مجتمعا يئن في وقت يرى أبناؤه بوضوح سلوك الحكومات غير العادل في منح امتيازات هنا وهناك على حساب فقراء المجتمع، ولتضع في حسبانها مدى انعدام ثقة المجتمع بها، وبما تدعيه من ترشيد النفقات وفي قدرتها على الوصول بالوطن والمواطن إلى بر الأمان.

    إن الحراكات المجتمعية، هي الأقدر على إنتاج قيادات قادرة على التعامل مع الأزمات، وهي الأكثر موثوقية في الدفاع عن الدولة ومصالحها في الملمات، وما للنتيجة التي انتهت إليها أزمة المعلمين إلا خير دليل على ذلك، ففي الوقت الذي أدار المعلمون الأزمة بكل اقتدار وثبات، ترنحت الحكومة ما جعلها مضطرة على اللحاق بالنقابة وقراراتها وتقديم التنازلات تلو الأخرى لا العكس، فسوء إدارة الأزمة كان العنوان الأبرز على أدائها.

    الثقة هنا كانت أمرا حاسما، ففي الوقت الذي وثق فيه المعلمون بمجلس نقابتهم، عانت الحكومة من حالة فصام تام مع المجتمع الذي أبدى غالبيته تعاطفا وتأييدا للمعلم، وذلك له أسباب كثيرة يمكن التوقف عندها لاحقا.

    لذلك، إن كنا ننشد مجتمعا فاعلا، فإن على المؤسسات الرسمية ومراكز الدراسات التوقف عند ما جرى وقفة جادة لدراسة أسبابه والبحث في نتائجه وفي كيفية الاستفادة من التجربة لتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني للتحرك خدمة للدولة في ما قد يواجهها من قضايا كبرى.

    لذا، ما حدث يجب النظر إليه من زاوية ما أكده الأردنيون على نضوجهم ووعيهم بأهمية الالتزام بالسلمية في التعبير عن الرأي، متسلحين في ذلك بقدسية البقاء تحت مظلة الدستور وسقف القانون.

    كما ويجب النظر إليه من زاوية ما وفرته الأزمة من موقف مجتمعي مؤيد في غالبيته للمعلم ما يمكن أن يضع أمام أصحاب القرار مؤشرات لتحليلها والاستفادة من الدروس المستقاة منها لتجويد الأداء الحكومي وللتحسب لأي أزمة ممكن أن تحدث مستقبلا، لا سمح الله، وفي كيفية إدارتها.
    بهذا السياق، ثمة إيجابية كبيرة لقضية المعلمين، وتحديدا على المجتمع الذي كان يحتاج للتأكيد على فاعليته وحيويته من جهة، ونضوجه وحرصه على الأمن والسلم المجتمعي من جهة أخرى، وفي كشفه مدى العوار في الأداء الحكومي وانعدام ثقة المجتمع بالحكومات.





    [08-10-2019 10:44 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع