الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    تخفيض نسب الأمية في البيئات الأقل رعاية

    شروق طومار - في مقالي السابق بعنوان الأمية في الأردن: حقائق صادمة ، تحدثت عن وجود أرقام ومؤشرات مفزعة حول نسب الأمية الصارخة في بعض محافظات المملكة والمتزايدة في بعضها الآخر وغيرها من الملاحظات الناتجة عن تحليل لبعض بيانات دائرة الإحصاءات العامة الحديثة، والتي لا يعقل أن يتم المرور عنها بصمت بينما نحن نقف على أعتاب العام 2020.

    هناك نسب أمية مرتفعة في بعض المناطق تتجاوز ضعف النسبة العامة على مستوى المملكة وتصل إلى 18 % للإناث كما في محافظة معان مثلاً، ونسب تقترب من 12 % في خمس محافظات أخرى، والبون الشاسع في النسب بين الجنسين، إضافة إلى تزايد النسب مؤخراً في ست محافظات للذكور وأربعة للإناث، أي أن أعداداً من أبناء الأجيال الجديدة هي خارج التعليم، ما يدل على وجود خلل كبير، وربما متعدد الجوانب.

    تركز النسب المرتفعة بشكل لافت في المحافظات التي ترتفع فيها نسب الفقر والبطالة، يرجح وجود علاقة طردية بين الأمية والظروف الاقتصادية، كما تؤشر فجوة النوع العريضة في جميع المحافظات على وقوف عوامل ثقافية ومجتمعية خلف ذلك، وكل هذا يقود الى استنتاج مفاده أن هذه المحافظات ما تزال لا تحظى بالرعاية المطلوبة ولا تستهدف بشكل فعال وحقيقي بمشاريع التنمية.

    تحتاج معالجة مثل هذه العوامل إلى عمل شمولي متكامل، وضمن خطط واضحة الأهداف ومحددة الخطوات والآليات وقابلة للقياس، تبدأ بدراسات معمقة للمجتمعات التي تظهر البيانات وجود خلل لديها، لتحديد الأسباب المؤدية للخلل بدقة ومن ثم استهدافها بآليات المعالجة المناسبة لكل منها.

    بالتأكيد يتطلب ذلك عملاً متأنيا وحثيثاً وزمنا ليس قصيراً، ولن تظهر نتائجه بسرعة، إذ إن إحداث تحول في ثقافة المجتمعات وتحسين الواقع الاقتصادي لمناطق برمتها لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها. ومع ذلك، فإن تفعيل قانون إلزامية التعليم الصادر أساساً لضمان تطبيق نص دستوري، من شأنه المساهمة بشكل فاعل وسريع في علاج المشكلة وضبطها.

    التراخي في تفعيل القانون له جوانب متعددة، أولها عدم تحديد عقوبة واضحة مرتبطة بارتكاب مخالفة التسرب المدرسي، وبالتالي ترك تحديد الإجراء المتخذ بحق الشخص المخالف للحاكم الإداري الذي قد تتدخل أو تؤثر في موقفه في أحيان كثيرة عوامل ثقافية ومجتمعية تحكم أبناء البيئة التي يعمل بها وربما تحكمه هو شخصيا كونه بالغالب ابن ذات البيئة، وبالتالي فإن القانون بصورته هذه سيعيدنا إلى المربع الأول بالاحتكام إلى أحد أبرز مسببات المشكلة بالأساس.

    الجانب الثاني يكمن في عدم إغلاق الحلقة إدارياً بالشكل الذي يتيح متابعة الحالات المخالفة، حيث تبدأ السلسلة من المدرسة التي يتسرب أحد طلابها فتقوم بتبليغ مديرية تربية المنطقة حيث تخاطب الأخيرة الحاكم الإداري ليتخذ الإجراء المناسب، وهنا تنتهي السلسلة، إذ لا تتطلب الإجراءات قيام الحاكم الإداري بإبلاغ التربية بالإجراء المتخذ وعليه فإن الطالب المتسرب، إذا لم يعد لمدرسته، ستختفي بياناته بمجرد صدور تبليغ من التربية بحالته.

    أمر آخر في غاية الخطورة يتعلق بالأطفال غير الملتحقين أساساً بالمدارس، وهؤلاء ليسوا تحت مظلة وزارة التربية لتقوم بالتبليغ عن حالاتهم، ولا يتضمن القانون بصورته الحالية ما يحدد آلية الكشف عن مثل هذه الحالات وضبطها.

    الأمر إذن يتطلب إعادة النظر في صياغة التشريعات الناظمة له لتكون أكثر إحكاماً ونجاعة، ويحتاج عملاً متكاملاً مرتكزاً على التخطيط العلمي، ويستلزم قبل ذلك كله يقظة فعلية وإدراكا حقيقيا لخطورة الأمر وما يشكله من تهديد مستقبلي على مختلف الأوجه يحتم علينا هبة فورية دون أي تلكؤ أو تأجيل.





    [24-09-2019 09:16 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع