الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    رسائل الملك
    حسن البراري - ارشيفية

    كتب: حسن البراري - اللجنة المحايدة التي أمر جلالة الملك بتشكيلها لبحث حادثة البحر الميت تبعث برسالتين هامتين هما: كان من شأن تحمل الحكومة للمسؤولية الأخلاقية لما جرى أن ينطوي على شجاعة أدبية وقدر عال من التعاطف مع أهالي الضحايا ولا يعني إدانة أي طرف، وهي نقطة غابت عن الحكومة التي اهتم الوزراء المعنيون بها في بادئ الأمر بالتنصل من المسؤولية.

    ثانيا، عندما تتلكأ الحكومة بمعالجة مسألة تمس مشاعر كل الأردنيين يضطر الملك بأن يبادر بنفسه للقيام بمهام هي من صلب عمل الحكومة، وهو أمر ليس جيدا لحكومة كشفت استطلاعات الرأي تراجع الثقة الشعبية بها.

    كان على رئيس الوزراء أن يفكر مليّاً بقرار تشكيل لجنة حكومية في وقت تراجعت ثقة الأردنيين بشكل عام بالحكومة وإجراءاتها، وكان يتعين عليه أيضا أن يبادر من اليوم الأول بإعلان تحمل الحكومة لمسؤولية الحادث ويعلن عن تشكيل لجنة.

    بتقديري استجاب رئيس الوزراء في النهاية نتيجة لضغط الشارع أكثر من كونه كان راغبا في التوقف عند المسألة بتفاصيلها ومحاسبة المقصر. فالانطباع العام أن هناك نيةً حكومية مبيتة للتنصل من مسؤولية الحادث، والتصريحات الصادرة عن الوزراء المعنيين أثناء تعاطي الأردنيين مع الكارثة حملت في طياتها عدم فهم لحجم وعمق الألم الأردني الجمعي.

    لا نعرف بعد حجم التفويض الممنوح للجنة الحكومية وإلى أي مدى يمكن أن تذهب التحقيقات أو متى سيعلن عن نتائجها، لكن نعرف على وجه اليقين أن الشارع تجاوز الحكومة في هذه المسألة وأصدر حكما واضحا يدين الحكومة بالدرجة الأولى. في دول أخرى تحترم فيها الحكومات الإرادة الشعبية ينتظر الشارع قبل إطلاق حكمه، لكن في الأردن المسألة مختلفة تماما، فسجل مصداقية اللجان الحكومية لا يبعث على التفاؤل. لا نقول ذلك في سياق وصف المعضلة بل للتحذير من أن استعادة ثقة المواطن ينبغي أن تكون أولوية قصوى وهو أمر أشارت له كتب التكليف السامي المتلاحقة.

    حجم النقد على وسائل التواصل الاجتماعي والذي طال الحكومة رئيسا وأعضاء ينبغي أن يدق ناقوس الخطر، فالأردنيون ناضلوا منذ تأسيس الإمارة لإقامة دولة القانون والمؤسسات، وهذه هي الغاية من الدولة في المقام الأول – درس كان يجب أن يتعلمه الوزراء بالخداج! علاوة على ذلك، يمكن القول أن الأيام التي كانت الحكومات قادرة فيه على احتكار المعلومة ولّت من غير رجعة، وعليه، فعند المواطن القدرة للوصول إلى المعلومة ما يضع مصداقية الخطاب الحكومي على المحك.

    لا بد من إعادة قراءة مقال الملك الأخير عن الإشاعات حتى نتوقف عند حجم الكارثة، فتحذير الملك في مقاله من إشاعة جو من الأخبار المضللة والإشاعات هو في مكانه، وعلى الحكومة يقع عاتق منع تبلور هذا المناخ المؤذي ليس عن طريق محاولة تكميم الأفواه أو تغليظ العقوبات وإنما بالكشف عن الحقائق كما هي دون محاولات للتستر على المقصر على سبيل المثال. فحري بنا أن نتذكر أن التعتيم على المعلومة وعدم الكشف عنها في التوقيت الصحيح يدفع المواطن إلى تصديق أي شيء يسمعه من أي مصدر، فليس من واجب المواطن التحقق في مصادر الأخبار لأن المعلومة سواء كانت صحيحة أو خاطئة إنما تملأ الفراغ
    بكلمة، حسنا صنع جلالة الملك تشكيل لجنة ضمت بعض أهالي الضحايا، وفي هذا المعنى لجنة محايدة ستكتسب مصداقية الأردنيين، وسيكون لتوصياتها أثر إيجابي في طمأنة الشارع العريض وفي تقديم المواساة الحقيقية للعائلات الثكلى. وفضلا عن ذلك، يساهم الملك بهذه الخطوة في وقف التدهور في مستوى ثقة الشارع بالحكومة.





    [03-11-2018 08:51 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع