الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    من يُعلّمني حبّ هذا الوطن ؟

    طفلٌ يُغرّدُ صباح كلِّ يوم "موطني موطني"، كشتيمةٍ ما لبثَ أن سمعها وتلفّظ بها مراراً وتكراراً دون أن يعي معناها ..! وَإِنْ سألتَهُ يوماً ما هو الوطن .. سيُجيب: هو ذاك الذي يلعنه أبي ويلعن عيشَه به صباح كل يومٍ ومساء .. وأُجبَرُ على التغنّي به فوق كلّ أرض وتحت السماء ..
    هلّا علّمتني يا سيّدي كيف أكون أخرساً عند الغناء .. كيف أنسى هذا العناء ..
    كيف أقتصُّ لأبي من هذا الوطن أو ما يسمِّيه البلاء!
    كيف ننسى جوعنا، فقرنا، ذلّنا، رخص ثمَنِنا في ظلّ هذا الغلاء ..
    كيف نشتري حبّه ونحن نشحذ قوت غدائنا والعشاء !
    مَنْ أخبرك أننّي أُعَلِّم حُبّ هذه الأشياء .. ما هذا إِلَّا ادعاء .. اذهب يا سيّدي ولي عندك رجاء ..
    أحضر كتاب التربية الوطنية واحفظه من الألف إلى الياء .. ثمّ قل لي هل زدتَ حبّاً ووطنيّةً أم زدتَ غباء ..!
    نَحْنُ قومٌ ينقُصُنا الذكاء، لنفهم ونعقل ما يُملَى علينا بِلا سُخريةٍ وازدراء ..
    ألِأمثالنا أُلّف هذا الكتاب .. لنأخذه متطلّباً إجبارياً في جامعاتنا والمدارس وقبل الفطور وبعد الغداء .. قُل لي من فضلك هل هذا الداء أم الدواء ؟!
    اذهب وتلفّظْ ما حفظت بالهواء .. فقد كان سُمّاً لسليمٍ لا يشكو علّةً ولا يرجو شفاء . .
    العلّةُ يا سيّدي فوق الكراسي مع حفظ الألقاب .. وتحت الطاولة .. وفِي قلب الخفاء ..
    اذهب لهؤلاء وخذ أجرَ زيارة عليلٍ يرقد على سرير الشفاء .. وارقِهم بنشيد الوطن .. واتلُ عليهم أوجاع بعض المساكين والفقراء ..
    ولا ضيرَ إن أطلتَ الزيارة فهم قومٌ لا يُحسنون الأدب ولا يعرفون الأصول والعادات .. فبالأمس استضفناهم على وليمة الوطن، فأكرمْنا ضيفاً قليل الحياء .. شربوا من دمنا دهراً ولم يهزوا الفنجان .. وأكلوا من لحمِ أكتافِنا خيراً بلا اكتفاء .. واليوم يُقدموننا طبقاً رئيسياً في قائمة العقود والصفقات ..
    وبعد أن نفنى، يأتون برفاتنا ويتباكون على الهواء .. وتحت الكواليس يُتاجرون بالوطن وبالأعضاء .. فنرحل نحن بلا عزاء .. ويبقى الوطن مأدبةً تُقام على شرف الفساد .. وبالهناءِ والشّفاء ..
    الآن وقبل أن ترحل دعهم يلعقون كتاب التربية الوطنية .. ثمّ اسألهم أن يُعلّموك حب الأوطان .. فَإِنْ لم تلقَ إجابةً ولن تلقَ .. فاذهب يا سيّدي ولا تنسى أن تردّد نشيد موطني على الطرقات .. وستجدني في انتظارك .. وعلى شاهد قبري مكتوب "كُره الأوطان خيانة .. وفِي حب وطني ما خُنتُ يوماً ولا سأخون" ..
    فهذا ما علّمني إيّاه أبي .. فقد أخبرني قبل أن يموت .. أَنَّهُ ترك لي ميراثاً تحت وسادته وهو لا يملك قرشاً، أتَعْلَمُ يا سيّدي ماذا ترك تحت وسادته ! لقد كان حفنةً من تراب هذا الوطن .. وورقةٌ كُتِبَ عليها .. "ولتعلم يا بُنيّ أنّ الوطن كالولد .. وقلبي على وطني قد انفطر .. وقلب وطني عليّ حجر .. فيا ربّ أجرني من حبّ هذا الوطن .. فأفنى قبل أن يفنى .. وعليك يا بُنيّ بهذه الحفنة من تراب هذا الوطن لتضمّها في أنين ليلك على استحياء .. حتّى وإن شتمتَه ولعنتَه صباحاً ومساء" ومات أبي في ليلتِها .. وحبّ الوطن يا سيّدي في قلبي وفِي قبري باقٍ لا يموت ..





    [29-09-2018 05:14 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع