الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    قسّموك يا أردن .. لفحة نصفها حطة ونصفها شماغ

    اثنا عَشَرَ عاماً لم تكن كافيةً لتمهيدِنا وتعزيزنا لمرحلةٍ مختلفة نوعاً ما، ألا وهي الجامعة ..

    الجامعة التي جمعت معرفةَ اثنتي عشرةَ سنةٍ، لتَبني على هذا الأساس المتين، حِصناً منيعاً ضدّ المظاهر السيئة، أليسَ بالعلمِ تنهضُ الأممُ ؟!

    ألم يقولوا: علّم ولداً، تبني بلداً ! ضاعَ الولدُ وهَدَمَ البلد وهو يهدّ أساساتها بمنازعةٍ ومشاجرة تلو الأخرى ..
    هَذِهِ الجامعةُ التي جمعت الطلابَ الذين نجحوا في تخطّي اختبارِ العلمِ والمعرفة، ولكنّهم فشلوا في اختبارٍ أكثرَ أهميةٍ، ألا وهو اختبارُ الشخصيّةِ والأخلاقِ واحترام الآخر، والتعاملِ مع أُناسٍ مختلفين، كان من المُفترض أن يكون هذا الاختلاف سبباً هامّاً في بناء هذا الوطن ، لأنّ الاختلافَ لا يُفسدُ في الوِدِّ قضيةً، ولكن لم يكنْ هناك ودٌّ، فَـ سادَ فسادنا .

    بشكلٍ عام، يقضي الطالبُ أربعَ سنواتٍ جامعيّةٍ، وأنا أَقولُ أنّها أربعَ معاركٍ وغارتين وحربٍ ثالثةٍ، يخرجُ منها الطالبُ بكدماتٍ وإصاباتٍ، هذا إذا خرجَ منها سالماً معافى، وكأنّهم ترّخوا بطولاتِهم بتحرير القدسِ وفتحِ الأندلس ..!

    أيُّ قدسٍ وأندلس، وهم منشغلون بكتابةِ أسمائِهم في التاريخ، ليس في صفحاتِ كتابِ "لمن القدسُ اليوم"، بل في كتابِ "لمن (ذبابة بنتُ حشرة) اليوم" ..

    تراهم وهم يسطّرون أسماءَهم في أعلى صفحاتِ مزابلِ التاريخ، وهم يتضاربونَ ويتنازعون على فتاةٍ، ناثرين على الأَرْضِ آخرَ ذرّةٍ تشهدُ على رجولتِهِم وهَيبَتِهِم .

    أيُّ قدسٍ وأندلس، وصنعُ مجدِهِم مرتبطٌ بمعاداةِ زميلٍ لمجرّد أنّه يختلفُ عنّي بالأصلِ والفصلِ، كيف لا، وهو فِلَسطينيٌّ وأنا أردنيٌّ،
    فِلَسطينيّ ! يا لَهُ من عار ..


    بيدِهِ اليمنى كتابُ التربيةِ الوطنيّةِ، الذي أنهى محاضرَتَها قَبْلَ قليلٍ، وكانَ محتوى الدّرسِ عن القضيّةِ الفِلَسطينيّة، قضيّةِ كلِّ عربيّ، وبيدِهِ الأُخرى يُطبِّقُ ما تعلّمَهُ بلَـكْـمَـةٍ على وجهِ زميلِهِ، كَبَثٍّ تجريبيٍّ لقتالِ عدوّنا وعدوّ القضيةِ الكائنِ في الضّفةِ الغربيّة .

    كيفَ لا أقاتلُ زميلي وأُعَنّفُهُ، وأنا فِلَسطينيّ وهو أردنيّ ..

    أردنيّ ! إذن حيّ على قِتالِهِ، هَذَا الذي كان للتّو قد سلّمَ موضوعاً تعبيريّ لدكتورِ محاضرةِ اللغةِ العربيةِ الذي كان عنوانُهُ "اكتب عن الوطن والقضيّةِ والعدو"، خرجَ من المحاضرةِ وبرأسِهِ حقدٌ ثائرٌ، وكرهٌ كبيرٌ على ذلك العدو الصهيونيّ الذي كتب عَنْهُ في التعبير، فما كان مِنْهُ إِلَّا أن يخوضَ تجربةً عمليّةً على زميلِهِ، كي لا تتراجعَ وطأةُ قدمِهِ في ساحةِ الوغى أمام عدوّهِ الأصليّ .
    ذاك الأردنيّ، كان يضعُ "لَفحةً نصفُها حطّةٌ فِلَسطنيّة، ونصفُها الآخرُ شماغٌ أردنيّ"، كي لا ينسى حبّ الوطن ولا ينسى القضيّة ..

    وذلك الفِلسطينيّ، الذي كان موضوع تعبيرِهِ " اكتب عن الوطن والقضيّة والعدو"، فكتبَ: الوطن والقضيّة ؛ الأردن وفِلَسطين ، أم فِلَسطين والأردنّ ! لا أدري بأيِّهِما أبدأُ، لأن كليْهِما المُبتدأُ، وكليهما وطني والقضية .
    هي لحظةٌ واحدة جعلتنا نظهرُ أعداءً، ونحنُ لا نساوي في معادلاتها إِلَّا واحداً .

    باللهِ عليكَ أيُّ قدسٍ وأندلس، ونحنُ لم ننتظرْ عدوّاً خارجياً ليُقسّمَنا، ويُطبِّقَ علينا قانونَ " فرِّق تَسُدْ"، فَكُنّا -يشهدُ الله- خيرَ مثالٍ على أنّ (الجاهلَ عدوُّ نفسِهِ) ..

    لم تَكُنْ هناك حدودٌ خارجيّةٌ تفصلُنا عن الوطن العربيّ فحَسْب، بل طبّقْنا مبدأَ "سايكس بيكو" على خريطتِنا، حتّى تركنا الأغاني تمسِكُ زِمامَ تقسيمِنا وتعصّبِنا بكلماتٍ نتغنّى بها داخلَ حدودِ المحافظة وليس البلد.

    أصبحنا نستخدمُ مصطلحَ الفزعةِ لِفضّ مُشاجرةٍ بين معانيّ وعجلونيّ في "الجامعة الأردنيّةِ"، الجامعة التي تحمِلُ اسمَ الوطنِ الذي يجمعُنا، أَيَجمَعُنا الوطن وتُفرّقُنا الفزعة ؟!

    على الجانبِ الآخر في جامعةٍ شعارُها " حوضي من عدن، إلى عمانَ البلقاء"، تُشاركُ الفزعة السلطيّة، ويَنفَضُّ رجالُ الهَيّة، لحلِّ معادلةٍ طرفيها متساويين بالأصلِ والفصلِ، واللّحمِ والدَّم، أَعلى أنغامِ " أبيش أحلى من السّلط" وعلى كلماتِ "الكرك يا ديرتي" نُقطّعُ بعضَنا بعضاً، ونرقصُ على أشلاءِ الوطنِ ؟! ..

    وفِي آخر المطاف تقوم الثورة الوطنية الكبرى، وتنطلق قذائف الشتم ووابل من السُّباب واللعن في معركةٍ بين فيصلي ووحداتي .. لتأتي لعبةُ كرة القدم وتُفتّتَ ما تبقّى من ذراتِ هذا الوطن، أتضيعُ الأوطان وتُهانُ القضية ويُقضى على الأخوّة بلُعبة !!!


    أذكر أنّنا كنا نردّد ونتغنى بِـ"الحلم العربي" ألا وهو "وحدة كل الأوطان" ، عجبي على زمن أصبح حلمنا فيه وحدة الشعب في كل وطن ..

    في النهاية أقول سيبقى شعارنا دائماً .. الأردنّ أولاً .. ولكن كيف سنحافظ على أردننا ليبقى أولاً ؟ بِـ "دق الخشوم" أَمْ "بالخاوة" !!

    كفانا عبثاً .. فنحن الأمل المتبقي لهذا الوطن ليظلّ شعارنا على الزمن .. عاش الوطن .. عاش الوطن .. وعاش الأردنّ أولاً .. وبقي موطني سالماً بسلامة أبناءه .. غانماً مكرّماً بكرامه شعبه وأخلاقه .





    [28-05-2018 12:46 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع