الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    انهيار "داعش" .. الفرصة الثمينة

    مع انهيار "داعش" التام في الموصل، وتحرير أحياء من مدينة الرقة السورية، بدأت وسائل الإعلام تنقل شهادات لنساء ورجال عاشوا سنوات الجحيم تحت حكم التنظيم المتوحش.
    صور مكثفة لأشهر طويلة من المعاناة والقهر، والانتهاك لكرامة البشر. عالم السبايا وأسواق بيع النساء لمن يدفع أكثر، تجنيد الأطفال الصغار، وحقنهم بثقافة القتل، جلد البشر عراة في الساحات العامة، وقتلهم لأتفه الأسباب. حكم متوحش بمعنى الكلمة.
    لكن تلك الصور المأساوية على ما يرافقها من مشاعر قهر وغضب، هي كنز ثقافي لا ينبغي التفريط فيه أو تجاهله.
    انهيار دولة التنظيم المتوحش، فرصة ثمينة لاكتشاف عوالمه الداخلية بدقة متناهية، وتوثيق تفاصيله قدر المستطاع.
    كل ما كان يتوفر من معلومات عن المجتمعات الخاضعة لحكم "داعش" محدودة للغاية، وتعتمد على شهادات مجتزأة يكافح الناشطون لتسريبها دون أن يتعرضوا لبطش الدواعش.
    وكذلك الأمر بما يخص هيكلية "الدولة" ونظام حكمها، التي استندت في الغالب إلى دراسات من خارج الميدان الفعلي لحكم التنظيم.
    الوضع مختلف الآن؛ فلدينا آلاف الشهود ممن تجرعوا مرارة العيش في ظل نظام داعش ومحاكمه وأجهزته؛ تطبيقا حيا ومباشرا. وفي المتناول أيضا أعضاء في التنظيم وقعوا في يد القوات التي حررت الموصل وتلك التي تقاتل في الرقة.
    مثل هؤلاء يمثلون مادة ممتازة لرواية قصة التنظيم من الداخل، وفهم عناصره لدورهم في هذه التجربة، وأسباب وسياقات التحاقهم في التنظيم، وحجم التباينات بين مكوناته، فقد ازدحمت المكتبات العربية والعالمية بالدراسات والتحليلات في هذه العناوين، وحان الوقت لاختبار دقتها.
    روايات الشهود من الناس العاديين مهمة للغاية، فهى في الغالب تأتي طبيعية دون تصنع، وتعكس تجاربهم الشخصية المبنية على التعامل اليومي مع أعضاء التنظيم وهياكله الإدارية التي نشأت داخل الكيان السياسي.
    وثمة فرصة مهمة أيضا لتفكيك ما أحاط بالتنظيم من ألغاز وأسرار، ما تعلق منها بمصادر التمويل، والتجنيد، والدعم من بعض الأنظمة في المنطقة والعالم. بالأمس وعلى سبيل المثال استمعت لشهادة مقاتل تونسي وقع بيد قوات سورية الديمقراطية بعد أن فر بجلده من معارك الرقة. روى الشاب التونسي تفاصيل رحلته من بلاده إلى سورية مرورا بليبيا وتركيا. ولم تسقط من ذاكرته تلك الحفاوة التي استقبل فيها هو وصديقه من قبل رجال الأمن الأتراك، وسرعة إنجازهم للإجراءات ليتمكن بعدها من الانتقال بسرعة إلى مدينة عنتاب الحدودية ومنها إلى معسكر لداعش على الجانب السوري من الحدود.
    لقد قيل الكثير بشأن تورط دول وأثرياء عرب في تمويل التنظيم الإرهابي، ولن يكون متاحا بعد اليوم إبقاء الحقائق طي الكتمان، بعد انهيار التنظيم وفرار المئات من عناصره، والقبض على الكثيرين منهم. ومن حق الملايين الذين دفعوا من حياتهم وأمنهم وكرامتهم أن يعرفوا الحقيقة الكاملة، ويحاسبوا كل من يثبت تورطه؛ دولا وأفرادا في دعم الجماعات الإرهابية.
    وللمسألة قيمة إضافية تخص مستقبلنا. تحرير الموصل والرقة ليس نهاية "داعش"، وسيظل مصدرا أساسيا للتهديد في سورية والعراق وعموم دول المنطقة والعالم.
    ليس هنالك وسيلة أفضل لمحاربة الفكر المتطرف ومكافحة الجماعات الإرهابية من عرض تجارب حية لممارساتهم والاستماع لشهادات أناس عاشوا تحت حكمهم.
    ينبغي منذ اليوم أن نخطط لإضافة فصول للمناهج التعليمية في المدارس تعرض لهذه التجربة المرة، ومساقات متقدمة لطلبة الجامعات، كي تدرك الأجيال الشابة فداحة التنازل عن قيم الحياة لحساب أوهام المتطرفين.





    [16-07-2017 09:02 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع