الرئيسية أحداث رياضية

شارك من خلال الواتس اب
    عبد الرحمن .. قصة نجاح من براثن الحرب إلى الملاعب العالمية

    أحداث اليوم - تغريد السعايدة - ظروف الإنسان القاهرة التي تسقط على رأسه كوقع قنابل وانفجارات، هي التي تجعله يقف على مفترق طرق، ويكون أمام خيارين؛ إما الانهزام والعودة، أو التقدم والانتصار والانطلاق في عالم النجومية والشهرة بأعلى درجاتها، لتتحول المحنة إلى منحة.
    هذا ما حدث بالفعل مع الطفل السوري مصطفى عبد الرحمن الذي يضع قدميه حالياً على أولى درجات النجومية في عالم كرة القدم، حتى شبه كبار اللاعبين في العالم قصة مصطفى بأنها كقصة أغلى لاعبي العالم حالياً.
    مصطفى البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، والمتواجد حالياً على الأراضي الأردنية كـ"لاجئ" عانى الكثير في حياته القصيرة، التي هي الآن في مرحلة المراهقة والحب والصداقة والأسرار، إلا أنه تغافل عن كل هذه الأمور، بعد أن رأت عيناه الويلات في حرب دارت رحاها على أهل بلاده، وشتت القريب عن الحبيب، والأب عن العائلة.
    حتى إن عيني مصطفى ما تزال تستعيد صور الأشلاء والجثث التي كانت تسقط أمام عينيه وهو يلعب بكرته القديمة في الحارات في مدينته حلب، التي أعياها الموت والدمار، ليخرج الأب بعائلته بحثاً عن الحياة وهرباً من الموت، ويستقر في الأردن، إلا أن اللجوء له لعنته التي قد تحرم الإنسان من أبسط الحقوق وهي "الوثيقة" أو الهوية وجواز السفر.
    وبعيداً عن ساحات الملاعب والأبطال، وخلال حديث مصطفى لـ"الغد" عن قصته التي كان محورها هو؛ التحدي والتصميم، وتقديم نموذج لقصص النجاح والتميز التي وصلت إلى أعلى درجاتها رغم العوائق التي وقفت في طريقه منذ بدايات الحرب في سورية ومحاصرته وعائلته في الكثير من الأحيان، تحدث بحرقة عن خروجه من "فم الموت"، كما يصف.
    ويقول مصطفى، إنه عشق لعب كرة القدم منذ الصغر، لأن والده كان لاعبا في سورية، ولكنه لم ينل حظه منها كثيراً، لذلك حاول أن يعوض حلم والده في نفسه، ويكون هو مرآة والده في عالم كرة القدم في سورية، ولم يكن يعلم لأن الأيام تخبئ له الكثير من الأحداث المأساوية التي كان من الممكن أن تطيح بأحلامه وطموحه.
    وعلى الرغم من صغر سنه، إلا أنه لم يتوقف عن المثابرة، كان يمسك بالكرة ويخرج ويلعب وحده بين الحطام وعلى أرض يغطيها غبار الحرب، ليعيش لحظات مرعبة، وهو يرى من حوله عشرات القتلى، منهم الجيران والأقارب، ويعود حاملاً كرته معه ويقف حائراً بين أحضان عائلته التي لم يجد الأب باباً بحثاً عن الأمان إلا وطرقه.
    وبعد محاولات من الهرب من شبح الحرب، دخل مصطفى إلى الأردن، تاركاً خلفه عالم الطفولة وحارات اللعب، ونادي الكرامة السوري الذي كان قد استقبله منذ نعومة أظفاره ليكون أحد لاعبيها، إلى أن تهدم هذا الحلم مع قرع طبول الحرب.
    وفي الأردن، عاش مصطفى مع عائلته المكونة من الأم والأب وأربعة أشقاء، في بيت يعود لصاحب مزرعة، بعد أن بدأ والده العمل كحارس في إحدى المزارع في محافظة مادبا.
    ومن هنا، بدأ مصطفى يطالع المحيطين من أبناء جيله من الأطفال، وكان ما يزال في العاشرة من العمر، كيف يعيشون ويلعبون بدون خوف ووجل من وقوع قنابل الموت والحرب.
    وبدأ يفكر مجددا في اللعب بكرة القدم، حتى أن بعض من يشاهده وهو يلعب بمهاره، يقومون بالحديث عنه إلى القائمين على النوادي والمراكز الرياضية، وبالفعل شارك مصطفى في مسابقات على المستوى المحلي، في كرة القدم ووصل إلى المركز الأول، وأسهم ذلك في إيصاله إلى مرحلة متقدمة من اللعب في النوادي الرياضية، إلا أنه كان يتفاجأ برفضه بسبب عدم وجود وثيقة تمنحه الأحقية في ذلك بحسب القوانين والأنظمة المعمول بها.
    هذا الأمر، لم يمنع مصطفى من الدخول في مسابقة "ذا فيكتوريوس"، وهو من أكثر البرامج احترافية من ناحية فريق الإعداد والفكرة والمراحل والخطوات التي تمر بها المواهب العربية الشابة.
    والهدف الأساسي من البرنامج البحث عن المواهب الكروية الشابة في العالم العربي، ومنحهم فرصة الفوز بجائزة نقدية كبيرة، إلى جانب تحقيق أحلامهم باللعب في كبرى الأندية العالمية الرائدة، وذلك بعد التحاق هذه المواهب بمعكسر تدريبي مكثف في دبي، وبحضور أشهر لاعبي كرة القدم في العالم ومنهم مارادونا ورونالدينو وغيرهم الكثير.
    وشارك مصطفى في موسمين حصل خلالهما على المراكز المتقدمة، وعندما كانت تأتي مرحلة السفر الى دبي للتدريب كان يتم استبعاده، بسبب "الوثيقة"، وبقي يثابر ويشارك حتى جاء الفرج من الصبر والتصميم، على حد قوله، وحصل على جواز سفر من سفارة بلاده في عمان، وحينها شعر بأن الحلم بات قاب قوسين، وتوجه إلى دبي وتدرب وحصل على المركز الرابع من ضمن عشرات الآلاف ممن تقدموا للمسابقة.
    وطرق الحظ باب الطفل مصطفى، عند توقيعه مؤخراً عقدا احترافيا مع فريق "سلتا فيغو" في إسبانيا، وسيتوجه خلال أيام فقط إلى عالم النجومية وكرة القدم، وتوقع له مارادونا أن يكون أسطورة ولاعبا مميزا؛ حيث قال للاعب المدرب في المسابقة الإسباني ميشيل سلفادو، متحدثاً عن مصطفى "إذا أردت أن تختار لاعبا لتدربه شخصياً وتجعل منه لاعبا محترفا فهو مصطفى"، هذه الكمات ما تزال ترن في أذني مصطفى وتحفزانه على التحدي والتميز في الحياة بكل جوانبها.
    ولكن ما يعكر صفو تفكيره، هو أنه توقف عن الدراسة خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب ظروف اللجوء، ولكنه مصمم على العودة إلى مقاعد الدراسة قريباً، متأملا كذلك أن تعوضه الكرة عن خسارة الكثير من الحب والأصدقاء والعائلة والوطن الذي خرج من حاراته التي ودعها دماراً ينتحب ساكنيه.
    قصة مصطفى هي قصة طموح وتحدّ وقصة ملهمة لجميع الأطفال الذين يحيون في ظروف مختلفة متفاوتة وتقول لهم إن التحدي والتصميم لا يمكن أن يقفا في طريقه أي عائق حتى الحرب واللجوء. (الغد)





    [09-06-2017 02:30 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع