الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    لست نصفك الثاني

    أمس، كانت كثيرة المناسبات والفعاليات المحتفلة بالنساء ويومهن؛ ربما عددها بالعشرات. كما لم تتوقف التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بعضها مهنئاً، وآخر مستهجناً، مع جزء لا يعترف بهذا اليوم العالمي.
    المهم، النساء احتفلن وتبادلن التهاني. والرجال أيضا شاركوا؛ ولم لا؟! إذ هو يوم واحد للنساء، فيما لهم باقي الأيام! ولا ضير من أن يمنحها الرجل يوماً يتنازل فيه طواعية عن موقعه لتشغله المرأة لسويعات تعود بعدها إلى دائرتها الصغيرة، بل ويرتفع عنده، للسبب ذاته، منسوب الذكورة والشعور بالفوقية.
    وطالما ظل الرجال يتنازلون للنساء عن مواقعهم بطيب خاطر ليوم واحد، فإنه يبقى بالنسبة لهم يوماً يستحق الاحتفال. إذ هو لا يضر بشيء ولا ينتقص من رجولتهم وبعض ذكورتهم أيضا، بل يعكسون باستخدام هذا السلوك الحضاري وبلغة عصرية، أنهن قاصرات يكتفين بجوائز الترضية. والمصيبة أن النساء، حتى الطموحات منهن، يقبلن بدور "الكومبارس" بكل فرح.
    الثامن من آذار (مارس)، وعلى الرغم من الأجواء الاحتفالية التي تسوده، هو يوم يذكّر بالظلم الواقع على المرأة. يكفي أن ننظر حولنا، لنسجل كثيراً من الانتهاكات والتمييز ضدها؛ بعضها بغطاء قانوني، وآخر بغطاء قيم مجتمعية بائسة ما تزال ترى في النساء ضلعاً قاصراً وعورة تحتاج إلى السترة.
    تعالوا لنرى؛ هل تقع جرائم الشرف ضد الرجال؟ وإن حدثت، فهل يجرّمها المجتمع أم يمحوها بعذر مخفف؟ وهل يحدث أن نرى قاصراً ذكراً يرغم على الزواج؛ وهل يتم تزوير عمره والتحايل على القانون أو به لإتمام هذا الزواج؟
    وتعالوا نقارن؛ هل تحصل النساء على أجور مساوية لتلك التي ينالها الرجال؟ وهل لهن من سوق العمل وفرص التشغيل ما يستحوذ عليه الرجال؟ هل رأيتم أحداً يحرم الولد أو الرجل من الميراث؟ وهل سمعتم عن مغتصِبة تجبر على الزواج ممن اغتصبته حتى تنجو من جريمتها؟
    سيظل الاعتراف بالمرأة منقوصاً طالما أن لها يوماً واحداً في العام، تماما مثل يوم الشجرة ويوم الحب؛ فذلك تأكيد على النقص في إنسانيتها وحقوقها وحضورها. وما يوم أمس إلا شكل من أشكال التمييز ضدها، وبرهان على أن كل ما تحصّله من مكتسبات يخضع لـ"كوتا" في مختلف الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
    عبارات الاعتراف بالنساء والتقدير لهن متعددة، من ضمنها وصف الرجل، في كثير من الحالات، المرأةَ بأنها نصفه الثاني، معتبرا ذلك تكريماً منه. وحتماً ليس في ذلك سوء نية، لكنه أيضاً، وفي الخلاصة النهائية، ليس إلا انعكاسا لنظرة قاصرة للمرأة، إذ يعتبرها الرجل تابعاً.
    "أنتِ نصفي الثاني"، بكل نواياها الطيبة والمشاعر النبيلة التي تلفها، تحمل بين ثناياها شعوراً بسيطرة الرجل على المرأة؛ فما النصف الثاني إلا تابع بمِنّة من الرجل وتنازل منه، بحيث يرضى أن تكون نصفه الثاني.
    المرأة ليست نصف أحد، بل كائن مستقل. وحبذا لو كانت الشراكة عنوان العلاقة، لأن فيها من الندية والاعتراف بمكانة النساء الكثير، لا النظر إليها مكملاً لأحد.
    قد لا يعجب الكلام بعض الرجال وكثيراً من النساء. لكنه ليس انتقاصاً من جنس ولا انحيازاً لطرف ضد الآخر، وإنما هو مسعى إلى رفع الظلم عن النساء، لأن في رفعتهن وتمكينهن ارتقاء للمجتمع، وما أحوال النساء السيئة إلا انعكاس كما سبب لحالة عامة كارثية.
    لستُ نصفك الثاني؛ فأنا إنسان كامل الإنسانية. والشراكة بين الرجل والمرأة ستجلب النتائج الفضلى لكل المجتمع، بعد أن تُسقِط بند التبعية الذي أرجعنا جميعا إلى الخلف مسافات طويلة جداً.





    [09-03-2017 09:38 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع