الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    بل "تسويات" تاريخية (1/ 2)

    ينظر صانع القرار الأردني إلى العلاقة مع العراق، اليوم، بوصفها أفقاً استراتيجياً، يمكن أن تمثّل نافذة حقيقية كبيرة للمساهمة في حلّ مشكلات الأردن الاقتصادية. وهناك توجّه جدي أردني لتحسين هذه العلاقات وتطويرها، لكن هناك أيضا عوائق جديّة في سبيل تحقيق ذلك.
    التركيز الإعلامي والرسمي يذهب نحو العوائق الفنية؛ مثل تأمين طريق عمّان-بغداد، لتنشيط قطاع النقل وتدشين مشروع أنبوب النفط. وهو عائق حقيقي، بخاصة بعد الهجوم الأخير لتنظيم "داعش" بالقرب من معبر طريبيل الحدودي، قبل أيام، ليذكّرنا بأنّ التنظيم حتى وإن كان يخسر عسكرياً، فإنّه ما يزال يمتلك نفوذاً وحضوراً وخلايا.
    بالرغم من ذلك، فإنّ العوائق الأكثر أهمية تتمثل بالجانب السياسي، على أكثر من صعيد؛ الوضع السياسي العراقي نفسه المتوتر والمشحون بالمسألة الطائفية، وبسؤال النفوذ الإيراني، والأزمة السنية، أولاً. كما "الصورة النمطية" السلبية المتبادلة بين الأردن والعراق، منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003، ثانياً.
    حتى الفترة الراهنة، نأى الأردن بنفسه عن الأزمة العراقية الداخلية بصورة مباشرة، بالرغم من علاقاته الجيدة بالسُنّة العراقيين، وبالرغم كذلك من إشارات من قبل الحكومة العراقية وقوى سياسية شيعية للانفتاح على الأردن في مواجهة قوى أخرى، مثل تيار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي اتخذ مواقف عدائية واضحة، برزت في التصريحات الأخيرة لأعضاء في التيار ضد الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين الأردن والعراق.
    في ضوء هذا الواقع السياسي العراقي الداخلي أولاً، وتلك التشويشات الجوهرية على العلاقات الأردنية-العراقية ثانياً، والقناعة الجديدة لدى "مطبخي القرار" في عمان وبغداد ثالثاً، ما المطلوب أردنياً في التعامل مع الملف العراقي؟
    مثل هذه الرؤية لن تبدأ من الصفر؛ فهناك اليوم مشروع مهم يجري العمل في العراق على إنضاجه، يمكن أن يساهم الأردن فيه، ويهدف إلى تحقيق "تسوية تاريخية" في العراق، برعاية الأمم المتحدة، وبمبادرة من شخصيات سنّية عراقية فاعلة؛ من خلال إعادة تشخيص الصراع الحالي بوصفه صراعاً سياسياً طائفياً بين السنة والشيعة، ذي أبعاد سياسية واقتصادية وثقافية.
    قدّمت مبادرة التحالف الوطني الشيعي ورقتها إلى بعثة الأمم المتحدة، وهناك مسودة ستجري مناقشتها خلال الأيام القليلة المقبلة في عمّان من قبل القوى السنية المشاركة في العملية السياسية، وبعد الاتفاق عليها، سيتم تقديمها للبعثة الدولية التي ستعرضها على القوى السنية غير المشاركة في العملية السياسية (هيئة علماء المسلمين، حزب البعث، قوى المقاومة، مثقفين). ثم بعد الانتهاء من الورقة الأخيرة، ستكون هناك ورقتان؛ سنية وشيعية، وسيتم تشكيل لجنة مشتركة لبحث مواقف الطرفين، والتفاوض على نقاط الاختلاف.
    الخلافات في الورقتين كبيرة، والواقع معقد، والطريق ليست سهلة. لكن البديل حرب أهلية طائفية ممتدة، بينما السير نحو التسوية التاريخية العراقية ومحاولة الوصول إلى تفاهمات سياسية بضمانات دولية وإقليمية، من قبل الأمم المتحدة ودول الجوار، هو الخيار الوحيد نحو المستقبل.
    أهمية البدء بعملية التسوية التاريخية كبيرة جداً؛ ليس على صعيد وقف المأساة العراقية فقط، بل على صعيد المنطقة بأسرها. فالعراق كان بمثابة "صندوق باندورا" الذي أطلق الشرور الطائفية على المنطقة، وامتدت إلى سورية والخليج واليمن، وإن نجح بناء تفاهمات وإعادة هيكلة النظام السياسي فسيكون نموذجاً معاكساً، ومقدمة ليس فقط لتسوية تاريخية على مستوى العراق، بل على مستوى المنطقة بأسرها في التعامل مع آفة الصدام الطائفي.
    في ضوء هذه المعادلة، مرّة أخرى، ما هو الدور الأردني المطلوب؟





    [27-02-2017 09:26 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع