الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    سنة أولى إصلاح

    بعد نحو ثلاثة أسابيع، تصل بعثة صندوق النقد الدولي إلى المملكة، لإجراء المراجعة الدورية الهادفة إلى التحقق من مدى التزام الأردن تطبيق متطلبات السنة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي.
    الحكومة تقول إن الأردن هو من طلب عون المؤسسة الدولية؛ فلم تفرض هذه الأخيرة نفسها علينا. وهذا كلام صحيح، لكن السؤال: هل شرح مسؤولونا للصندوق حالنا وأحوالنا، وتبعات ما يُتّخذ من قرارات قاسية على الأمن والاستقرار الوطنيين؟
    برنامج التصحيح الاقتصادي الذي تطبقه حكومة د. هاني الملقي كان قد تم التفاوض بشأنه في عهد الحكومة السابقة برئاسة د. عبدالله النسور، مع وجود وزير المالية عمر ملحس، بمنصبه في المرحلتين؛ فهو من فاوض في عهد النسور، ثم وقع في عهد الملقي.
    لكنّ المهم أن التفاوض كان في ظرف ومزاج مختلفين محلياً. حينها، كان المجتمع قد هدأ، فلم تعد ثمة احتجاجات على سياسات رفع الأسعار، واستعاض الناس عن ذلك بالنكتة السياسية والسخرية من كل قرارات الحكومة السابقة. في المقابل، تبدو مشكلة الحكومة الحالية أعمق، لأنها جاءت بعد عديد قرارات تعايش معها الناس خلال السنوات القليلة الماضية، والظاهر أن أحوالهم وصلت إلى درجة لا تحتمل مزيدا من الأعباء، في ظل تفاقم الصعوبات المعيشية، وتصاعد حدّة ظاهرتي الفقر والبطالة.
    ويمكن القول إن الحكومة تدرك مزاج الناس وتقدر الظرف الحياتي الصعب الذي يتعايش معه المواطن. لكنهما إدراك وتقدير تلزم ترجمتهما إلى فعل يقوم على تغيير استراتيجية إدارة ملف الإصلاح المالي؛ فلم يعد بإمكان الناس تحمل المزيد.
    ما المطلوب، وما الممكن؟
    مطلوب من الحكومة بلورة موقف مختلف تقدمه لبعثة "الصندوق" خلال زيارتها للمملكة، يتضمن توضيحاً للوضع القائم؛ كيف تفاعل الأردنيون مع السنة الأولى من تطبيق برنامج التصحيح، وتبعات القرارات الصعبة التي اتُخذت. وأهم من كل ذلك إبلاغ البعثة أن المضي في تطبيق برنامج بهذه القسوة يضع الأمن الوطني على المحك، ومصلحة الأردن -إن كانت محل حرص من المؤسسة الدولية- تتطلب وصفة مختلفة للإصلاح.
    تبعاً لذلك، يتوجب على الحكومة أيضا إعداد البدائل التي تمكّن من تحقيق أهداف البرنامج بعيداً عن السياسة الجبائية؛ بحيث تفكر، مثلا، في تخفيض حجم الإنفاق العام، أو تثبيته للعامين المقبلين. على أن يُبنى هذا الطرح على معطيات حقيقية قابلة للتنفيذ، وبحيث يتفهم الجميع حقيقة صعوبة الظرف المحلي.
    باختصار، على الحكومة وضع وصفتها التي تجنّبها وصفات "الصندوق" الكارثية التي يسقط في حسابها الأمن والاستقرار الوطنيان، فلا تُعنى إلا بأرقام صمّاء لن تكون لها قيمة في حال خسرنا الشق الأول من المعادلة.
    ومن ثَمّ، يجب على الحكومة أن تقولها صراحة، بأن القرارات الصعبة المطلوبة منها في العامين 2018 و2019، وفق الاتفاق السابق، غير قابلة للتطبيق؛ وأن تقدم تقييماً حقيقياً لبعثة "الصندوق"، تتم بناء عليه إعادة التفاوض حول البرنامج، وتقوم بدورها على تخفيف التبعات السلبية للعلاقة العكسية بين الأمن الاجتماعي والإصلاح المالي المطلوب؛ أي بخلاف ما يفعل خبراء المؤسسة الدولية –مع الاحترام لمؤهلاتهم وآرائهم- حالياً.
    يبدو البون شاسعاً بين ما يشعره المواطن ويظنه بعض المسؤولين؛ فالأول مقتنع أن العبء الضريبي، مثلا، بات ثقيلاً جداً، فيما يرى بعض المسؤولين أنه عبء محتمل، وحتى قابل للزيادة. وهم يظنون أيضاً أن التضخم بالكاد يلمسه الناس، فيما يؤكد المجتمع أنه بات يكتوي بارتفاع الأسعار. وجسر هذه الفجوة بين الطرفين مطلب حتمي كي نمضي بسلام.
    الخشية تتمثل بأن لا يتحقق الهدف بعد كل الأثمان الباهظة المدفوعة أردنياً؛ فلا نصل إلى المؤشرات المستهدفة، على نحو ما حدث في برنامج التصحيح السابق، ولنعود إلى المربع الأول كأننا في سنة أولى إصلاح.





    [26-02-2017 09:18 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع