الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    صور الفاسدين!

    عندما كنا صغارا، كانت كل شركة مواد غذائية تطرح منتجا جديدا من "الشيبس"، تروج له بمسابقة "اجمع واربح"! وطبعا، يصبح الافطار والغداء والعشاء "شيبس"، لجمع الصور التي في داخل الكيس. وبعد مرور 24 ساعة على طرح المنتج، كانت الأغلبية تنجح في تجميع كل الصور باستثناء واحدة؛ تبقى مفقودة. فنقوم بالبحث عنها مع أولاد الحارة، ونعرض لهم بديلا لها 100 صورة أخرى. لكن، للأسف، لم يعثر عليها أحد، فنوسع دائرة البحث في الحارات المجاورة، لنجد أن الأولاد هناك يفتقدون أيضاً الصورة نفسها. فنواصل بعزيمة أكبر أكل "الشيبس" حتى نصاب بـ"شيبس على الرئة"، ومع ذلك لا نجد الصورة المفقودة.
    ثم تطرح الشركة منتجا جديدا، لنبدأ مرحلة الجمع والبحث من جديد. وفي كل مرة تبقى هناك صورة واحدة مفقودة! ولم أسمع في حياتي أن أحدا وجد الصورة المفقودة وفاز بمسابقة "الشيبس".
    هكذا كانت الشركات تروّج منتجها؛ بأن تخفي إحدى الصور لنأكل المزيد من "الشيبس" من دون أن نتمكن من العثور في النهاية على الصورة.
    سامحهم الله! فلو قمنا بتحويش ما أنفق على مسابقات "الشيبس"، لكنّا اليوم شركاء في مشروع "بوليفارد العبدلي"!
    قضايا الفساد في الأردن تشبه جوائز "الشيبس"؛ إذ نجمع الأدلة والبراهين كلها على وجود الفساد، لكن، وللأسف، في كل مرة لا نجد صورة الفاسد وتبقى مفقودة. فنواصل بعزيمة أكبر مكافحة الفساد، وننتقل الى قضية أخرى، فنبدأ مرحلة البحث والجمع من جديد، لكن نعجز، مرة أخرى، عن العثور على صورة الفاسد التي تبقى مفقودة!
    نعرفهم جيدا. فحتى حين نمتحن أبناءنا بالرياضيات ونضرب مثالا في الحساب نقول: مشروع ميزانيته مليار دينار، نهب منه فلان 200 مليون، فكم تبقّى لإكمال المشروع؟ فيصحح الابن الرقم قائلا: يابا، هذا سرق 300 مليون. وحتى حين نركب تاكسي ونريد التوجه إلى إحدى المناطق، نصف للسائق المكان بأنه قرب فيلا "اللي نهب..."، أو بجانب قصر "اللي شفط..."، فيستدل السائق بسرعة. وحتى عندما كنت في أحد محال الخضار لشراء "راس زهرة بلدي"، طلب البائع رقما فلكيا، فقلت له: "يا رجل حرام عليك! أي فلان لما استثمر أرض للدولة ما دفع في الدونم هالمبلغ"!
    نريد مكافحة الفساد ليس طمعا باسترداد الأموال من الفاسدين، بل طمعا باسترداد قيمنا وأخلاقنا وكرامتنا. فقد انتشرت الرشوة لأن الموظف أصبح لديه المبرر: "أي شو أنا مع اللي نهب 100 مليون؟!". وازداد ترهلنا وانخفضت إيراداتنا، لأن المبرر أصبح "لمين أشتغل؟... علشان ينهبهن فلان؟!". والأخطر أن روح الانتماء والإخلاص للوطن قد تصاب بمقتل، بمبرر "خلّي فلان يساوي مش أكل الأخضر واليابس؟"!
    محاسبة الفاسدين هي أولى خطوات الإصلاح السياسي والمالي، لأن الدولة كلما خطت خطوة إلى الأمام، يتم تعييرها بالفاسدين الذين لم يعتزلوا أو أقيم لهم مهرجان اعتزال حتى اللحظة!
    نشر صور الفاسدين لن يأتي بجديد، بل سجن الجويدة هو الوحيد القادر على أن يكون مشروعنا النهضوي والتنموي والاقتصادي فقط، متى شرفه هؤلاء!





    [01-02-2017 11:17 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع