الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    إجراءات ليست مستحيلة

    هو صعب حتماً، لكنه ليس مستحيلاً إيجاد بدائل للإجراءات "الكارثية" التي أعلنت عنها الحكومة، وضربت المزاج العام، بغية جمع 450 مليون دينار من جيوب الأردنيين، وتحديدا "الغلابى" منهم.
    اليوم، لدى الحكومة مهلة لمراجعة كل ما تفكر فيه، لنتائجه الكارثية على مستوى معيشة الناس، بعد أن وجهها الملك لمراجعة المقترحات المقدمة لتكون أقل ضررا ولحماية الأقل دخلا.
    المقترحات حملت لنا رسالة واحدة خطرة، هي أن الحكومة، بوزرائها، منفصلة عن واقع حياة الناس ومعاناتهم المتفاقمة في سعيهم إلى الوفاء بمتطلبات معيشتهم في ظل محدودية المداخيل. ومن ثم، وطالما أن فكرة تخفيض بند الإنفاق بقدر زيادة الإيرادات الجديدة، والذي يعادل إغلاق الباب الذي تأتي منه الريح أساساً، أمر مستحيل، يصبح من المفيد التفكير في تحصيل المبلغ المطلوب من أبواب لا تضر الطبقات متوسطة ومحدودة الدخل.
    كما أنه أمام واقع المواطن الصعب، ثمة مقترحات يمكن للحكومة الأخذ بها، لتحقيق الهدف الرئيس، وأهداف أخرى ثانوية.
    من ذلك مثلا، فرض مبلغ دينار واحد على كل هاتف خلوي وعلى كل اشتراك انترنت يحمله غير الأردني، والمبلغ ذاته على كل مواطن اردني يحمل أكثر من هاتف خلوي. فمثل هذه الخطوة تحقق بعض الإيراد المنشود، ولربما تساعد في ضبط نمط استهلاكي طالما شكت منه الحكومات.
    المقترح الثاني يتعلق بموضوع واسع قديم جديد، وهو المتعلق بإصلاح الإدارة الضريبية. ومن أسسه إخضاع جميع الفاعلين في القطاع التجاري للتسجيل في الضريبة. إذ يبلغ عدد المكلفين المسجلين حوالي 30 ألف مسجل، بما لا يكاد يساوي شيئا أمام عدد الفاعلين الحقيقي في هذا القطاع. كما يتطلب إصلاح الإدارة الضريبية، أيضاً، تخفيض سقف التسجيل للقطاعات الأخرى، مثل قطاعي الصناعة والخدمات؛ بحيث يشمل التسجيل ما هو ممكن منها بضريبة المبيعات على السلع الخاضعة أصلا للضريبة، لكنّ جزءا كبيرا من المستحق لا يسدد للخزينة، رغم أنه يُحصّل من المستهلك النهائي.
    وطبعاً، يظل التحدي الأكبر في موضوع إصلاح إدارة الضريبة، التصدي للتهرب الضريبي. وهو تحدٍّ لكل مؤسسات الدولة، ويمثل الامتحان الأهم لمبدأ سيادة القانون. إذ ما تزال قطاعات واسعة تتهرب من الضريبة، ولم تنجح كل الحكومات في معالجة الخلل. وكلنا ما يزال يذكر قصة الطبيب الذي بلغ دخله مئات ملايين الدنانير، من دون أن يسدد فلسا واحدا للخزينة! ومثله كثيرون.
    الفكرة الأخرى المقترحة لتوفير دخل مالي للخزينة، تتعلق برفع رسوم الإقامة وتصاريح العمل للأجنبي، خصوصا ونحن في خضم عملية معالجة تشوهات استقدام العمالة الوافدة واستخدامها. فلا ضير من زيادة الرسوم بمقدار عشرة دنانير على كل تصريح عمل، بدلا من زيادة الرسوم على إصدار جواز السفر للأردني.
    ثم، ما الضرر في فرض ضريبة مبيعات على العقار المؤجّر تجاريا وليس للسكن؟ وتنفيذ هذا المقترح يساهم، ولو بنسبة طفيفة، في توفير جزء من الإيراد العام، من دون عبء استثنائي على المستأجر ومالك العقار، طالما جاءت هذه الضريبة بنسبة قليلة معقولة.
    أما المقترح القديم الجديد الذي يخشى البعض طرحه لمخاوف سياسية لا تبدو في مكانها، ناهيك عن أنها غير مقنعة لسطحيتها، فيتمثل بالسماح بامتلاك العقار لفئات مثل الغزيين وحملة الجوازات المؤقتة. علماً أن كثيرا منهم يمتلكون عقارا في الواقع، لكن نتيجة للأنظمة والتعليمات يضطرون إلى تسجيله باسم قريب يحمل الجنسية الأردنية. وان كان هاجس "التوطين" هو ما يضعه البعض في طريق الفكرة لإحباطها، فإننا بقبول ذلك لا نختلف عن نعامة تخبّئ رأسها في الرمال. تعديل التعليمات بخصوص التملك لا يعني إيرادات مقابل ذلك فحسب، بل هو السبيل لجذب رؤوس أموال هذه الفئات لتستقر في الأردن.
    الأفكار كثيرة لزيادة الإيرادات. لكن ليست هذه هي المشكلة الحقيقية التي تواجهنا؛ بل القصة أعمق بكثير من ذلك! وسأتحدث عنها في مقالتي المقبلة.





    [12-01-2017 09:10 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع