الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    يا وجعنا الاقتصادي!

    لو أن قرارات الجباية تضع، في النهاية، حدا لوجعنا الاقتصادي، لقال الناس حسنا. إذ لو أن الخطوات الحكومية الأحدث هي آخر القرارات الصعبة التي تضرب محدودي ومتوسطي الدخل، لقيل: اقتربت ساعة الفرج. ولو أن الـ450 مليون دينار التي تخطط الحكومة لجبايتها ستوقف نزف الاقتصاد، لرضي الناس.
    لكن المشكلة أن حزمة قرارات حكومة د. هاني الملقي، قبل يومين، ليست الكيّ باعتباره آخر العلاج! بل نحن، وللأسف، لم نبدأ بالعلاج، لوضع حلول جذرية لمشكلاتنا الاقتصادية.
    ولو أن الحكومة قررت ضبط النفقات لمعالجة الاختلالات، لاقتنع الناس. فلو أنها اقتربت من امتيازات كبار الموظفين ورواتبهم، بدءا من رئيس الحكومة، والوزراء والنواب ومحاسيبهم وذريتهم؛ ولو أنها قلصت مخصصات السفر واتخذت قرارات صارمة بشأن الإنفاق التفاخري، من سيارات ومياومات ومعالجات وغيرها، لربما تفَهمّ الناس. أما أن يكون الحل على حساب الشرائح محدودة ومتوسطة الدخل فقط، فهو ما لن يقنع الناس بعدالة القرارات.
    وصفة حكومة د. الملقي الاقتصادية لا تختلف في جوهرها عن تلك التي قدمتها حكومة د. عبدالله النسور الذي غادر بيت الضيافة في رئاسة الوزراء وهو يحاول التخلص من وصمة الجباية التي دمغت حكومته على مدى سنواتها الأربع في "الدوار الرابع".
    الرئيس السابق، ولشدة رغبته في نفي التهمة عنه، نأى بنفسه في آخر أيام حكومته عن اتخاذ مزيد من القرارات القاسية؛ من قبيل زيادة تعرفة الكهرباء، أو حتى وضع آلية لذلك. لكنه، بالمقابل، لم يكلف حكومته عناء التفكير خارج الصندوق.
    المهم أن النسور غادر بعد سلسلة قرارات استنزفت مداخيل الناس. وجاء الرئيس الجديد، فاستبشر الناس خيرا. لكن الملقي، ومنذ البداية، أعلن عن نواياه ببعض قرارات، منها رسوم السيارات والتراجع عن إعفاء بيع الأراضي من الرسوم؛ كاستهلال لخطة الحكومة. وكان الكشف بوضوح عن كل النوايا المعلنة وغير المعلنة، في الجلسة الأخيرة مع "مالية النواب"، لدرجة جعلت جملة الأفكار التي طُرحت في الاجتماع تدفع الناس إلى الترحم على حكومة النسور؛ بـ"بوستات" فيها بعض من خفة دم الأردنيين التي برزت بشكل كبير أيام النسور.
    إلا أن عنوان ردة الفعل على كل ما صدر من الحكومة الحالية، هو الغضب وشكوى من صعوبة الأحوال وضيق ذات اليد، وعدم القدرة على استيعاب مزيد من الأعباء المالية بعد سنوات عجاف عانى فيها المواطن؛ بسبب الحكومات، كما نتيجة الأوضاع الإقليمية التي صعبت الأمر أكثر.
    يقول المسؤولون إنهم مضطرون إلى قرارات الجباية لتغطية عجز الموازنة. بيد أن التبرير برمته بجب أن يخضع للنقاش والمحاكمة. والسؤال هو: هل كانت الحكومة مضطرة، من حيث المبدأ، إلى زيادة النفقات العامة في ظل الأزمة المالية؟ وإن كان الجواب بـ"نعم"، فهل الجباية واستنزاف ما تبقى من دنانير في جيوب الناس، هي الحل؟ والجواب بالطبع: لا.
    وان كانت الحكومة مضطرة، بحسب زعمها، إلى القرارات الأخيرة؛ فهل أُغلقت كل الأبواب لجَسْر الفجوة، باستثناء جيوب الناس المثقوبة أصلا؟!
    المشكلة أن حكومة الملقي بكل فريقها لم تفكر خارج الصندوق، حالها حال الحكومات السابقة وربما اللاحقة! بل لجأت إلى أسهل الطرق التي لا تحتاج فريقا اقتصاديا لاتخاذها؛ فمثل هذه القرارات في متناول حتى من لا يعرف نظريات الاقتصاد وعلومه. فزيادة الأسعار والضرائب أكثر الطرق سذاجة في تعظيم الإيراد. ومن ثم، ونحن بانتظار التعديل الحكومي، أنصح الرئيس بالتخلي عن فريقه الاقتصادي، لأن ما قدمه من حلول لا يحتاج أي خبرات.
    لطالما كان الأمن الاقتصادي وارتباطه الوثيق بالأمن الاجتماعي، معيارا غائبا عن الحكومات، وفهمه محدود. دليل ذلك ما تقوله الحكومة بأنها لا تضر بالطبقة الفقيرة؛ فهذا صحيح، لكنها تنكر أن ضرباتها موجهة للطبقة الوسطى، عصب التنمية والاستقرار.





    [10-01-2017 09:16 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع