الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    "كلام جميل وكلام معقول"

    تذكرت أغنية ليلى مراد "كلام جميل وكلام معقول... ما أدرش أؤول حاجة عنه"، وأنا أقرأ عن اجتماع وزراء التربية والتعليم العرب في عمان، والوثيقة التي يجري إعدادها عن واقع التعليم المدرسي في العالم العربي. إذ يجد المرء نفسه أمام نقاش عميق، فعلاً، وتشخيص دقيق لواقع التعليم؛ للمشكلات والأزمات، من قصور أساليب التقويم، إلى الآليات والأدوات البالية، إلى عدم مواكبة التعليم لمتطلبات المعرفة والمواطنة والاقتصاد.
    وزير التربية والتعليم الأردني د. محمد ذنيبات، أشار إلى ضرورة الجرأة والمكاشفة في تعريف المشكلات والأزمات، والتخلّي عن حالة الإنكار. وأكد أنّ هناك قراراً عربياً بالاهتمام بالتعليم... إلخ.
    كل ذلك جميل نظرياً. لكن، كيف يمكن أن نغيّر واقع التعليم حقّاً، ونحدث نقلة نوعية على أرض الواقع؟ هذا هو السؤال.
    الملك التقى، أول من أمس، رؤساء الجامعات الحكومية، وأعاد التأكيد، مرة أخرى، على موضوع وقف العنف الجامعي، وكرر عبارته الواضحة بأنّ "العنف الجامعي خط أحمرّ". وهو ليس اللقاء الأول للملك برؤساء الجامعات، خلال السنوات الماضية، عن الموضوع نفسه؛ أي العنف الجامعي. فما الذي يمنع التغيير أو أخذ مسار التغيير المطلوب، لنشعر بتحسن تدريجي وخروج من الواقع المقلق الراهن؟
    لو عدنا إلى وثائق إصلاح التعليم العالي والجامعات، والخلوات والاستراتيجيات والدراسات، سنجد أنفسنا أمام "أدبيات" كاملة، يمكن أن تحتل رفّاً في المكتبات.
    أين المشكلة؟ لماذا ندور حول أنفسنا؟
    المشكلة قد تلخصها العبارة المعروفة بأنّنا -نحن العرب- بارعون في تشخيص المشكلات وتعريفها وتفكيك أسبابها، لكننا فاشلون جداً في عملية "البناء" والتراكم، وإنجاز خطوات متدرجة في حل تلك المشكلات والخروج من الأزمات.
    دعونا، إذاً، نفكّر في الخطوات المطلوبة، ونقلب المعادلة في العالم العربي، ونصنع الفارق. أي معادلة؟
    إنها معادلة إعطاء الأولوية للتسليح والأمن والجيوش. فالدول العربية هي الأعلى عالمياً بها، وتقليل نفقات التعليم إلى الحدّ الأدنى عالمياً. لماذا لا تصبح المعادلة معكوسة، فنضع موارد حقيقية لتطوير التعليم وتحسين مستوى المعلمين، اقتصادياً وعلمياً وإدارياً، وتطوير البنية التحتية للتعليم والأنشطة؟
    هل نبدأ بتطوير المناهج وأدوات التقييم لإدماج الثقافة والرياضة والفن والموسيقى وفنون الحياة وقيمها في التقويم والتطوير والتعليم، كما شخّص وزراء التربية والتعليم العرب؟ ولماذا لا نستفيد من التجربة الفنلندية الأكثر تطوراً على مستوى العالم؟
    تحدثت سابقاً عن كتاب د. إبراهيم بدران "عقول يلفها الضباب"، عن أزمة التعليم في العالم العربي. وتساءلت: لماذا لم ينجح وهو وزير تربية وتعليم، بالرغم من ثقافته الواسعة ورؤيته العميقة؟ وتساؤلي لقناعتي أنه من النخبة المثقفة المتميزة، وإجابته عن السؤال ستعطينا فرصة الوقوف على "عوائق" الإصلاح والتطوير العملية، حتى لا نبقى ننظر في واد والواقع يسير في واد آخر.
    وكنتُ بالأمس أقرأ عن كتاب جديد لشادي قهوجي بعنوان "عندما بدأت التغيير". والمشوق في الكتاب أنه يتحدث عن علم الإرادة والإنسان، من خلال تجربة المؤلف البسيطة مع إنقاص الوزن، لكن من ورائها يلج الكتاب إلى مفهوم الإرادة والتغيير وتطوير الذات، وفلسفة الحياة، وإدارة الحياة اليومية.
    وإذا كان الوزراء يتحدثون عن تطوير التعليم؛ فإنّ هذا العلم (أي تطوير الذات) من المهم جداً تدريسه للطلبة، ومثل هذه الكتابات من الضروري أن تحظى باهتمام إعلامي وثقافي أوسع، لأنّ مشكلتنا في العالم العربي أنّ الإنسان العربي ما يزال حالماً أو غائباً عن الوعي، لديه فجوة كبيرة بين فهم ذاته وشروط المكان والزمان، وإدراك المنطق والتعامل مع الأسباب والنتائج، كما يقول محمد جابر الأنصاري: "نريد أن نكنس الإمبريالية من بلادنا ونحن لم ننظف أمام أبواب منازلنا"





    [13-12-2016 09:07 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع