الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الأردن في الوثائق السرية

    أحدث ما صدر من دراسات عن تاريخ الأردن السياسي، كتاب للباحث والإعلامي الأردني ماهر عثمان، عنوانه "الأردن في الوثائق السرية البريطانية من العام 1953 إلى 1957". وهي، كما يشير المؤلف، السنوات الخمس الأولى من عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال.
    الكتاب الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، يحتوي على مئات المراسلات (البرقيات) المتبادلة بين سفير بريطانيا في عمان ووزارة الخارجية البريطانية، بالإضافة إلى تقارير ذات صلة بالأردن بعثها سفراء بريطانيا في المنطقة وخارجها. ومن بين الوثائق أيضا، التقارير التي كان يرفعها الجنرال كلوب باشا إلى كبار المسؤولين في الحكومة البريطانية وقيادة الجيش.
    السنوات الخمس التي يوثقها الكتاب، سنوات حاسمة في تاريخ الأردن؛ خلالها واجهت المملكة الفتية أخطر التحديات في تاريخها. عدد كبير من الوثائق التي نشرها المؤلف كانت خاضعة للسرية لخمسين عاما، نظرا لأهميتها وحساسية ما فيها من معلومات، ولم يرفع عنها الحظر إلا قبل عامين فقط.
    وثائق تلك السنوات، تتناول ثلاثة أحداث تاريخية مهمة، هي: طرد القائد البريطاني كلوب باشا؛ والموقف من "حلف بغداد"؛ وإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية. وفي ثنايا هذه الأحداث، مراسلات مهمة حول أسرار ما حدث قبيل إقالة حكومة سليمان النابلسي، ومحاولات الانقلاب، وما حصل في تلك الليالي المثيرة من أحداث في معسكرات الجيش، وعلاقات الأردن بمصر في عهد جمال عبدالناصر ومع الدول العربية المؤثرة كالسعودية وسورية. وتكشف المراسلات بوضوح هوية أصدقاء بريطانيا من السياسيين الأردنيين، وخصومها أيضا.
    تؤكد الوثائق ما كان معلوما على نطاق ضيق في الأدبيات السياسية، من أن طرد الجنرال كلوب كان قرارا أردنيا خالصا، اتخذه الحسين لاعتبارات وطنية تخص مستقبل الجيش الأردني، من دون تنسيق مع بريطانيا كما كان يقال، أو مع مصر عبدالناصر كما أشيع أيضا. في إحدى البرقيات المهمة، بلغ الأمر برئيس وزراء بريطانيا انطوني إيدن، المصدوم من قرار الملك، حد توسل الحسين للتراجع عن القرار.
    أما فيما يخص الموقف من "حلف بغداد"، وبالرغم من عدم ممانعة الحسين الانضمام إليه، فإن حكومة الملك في ذلك الوقت وضعت شروطا مقابل دخول الحلف، تتمحور كلها، كما تشير البرقيات، على تقديم دعم عسكري للجيش الأردني. وقد رفضت الحكومة البريطانية الموافقة المسبقة عليها قبل دخول الحلف.
    اللافت هو مواقف السياسيين حول الملك من الحلف. سمير الرفاعي "الجد"، ورغم كونه من أقرب حلفاء بريطانيا، لم يكن متحمسا لمشاركة الأردن، بعكس الشهيد هزاع المجالي، والشهيد وصفي التل الذي كان في حينه من رجال الصف الثاني في الدولة، والمرحوم فرحان شبيلات. ثلاثتهم كانوا من أشد المؤيدين لدخول "حلف بغداد"، وقصة حكومة الشهيد المجالي معروفة للجميع. لقد كانوا رجال دولة بحق، لا يترددون عن اتخاذ مواقف شجاعة، حتى وإن خالفت توجهات الرأي العام.
    على المستوى العربي، من اللافت أيضا أن السعودية كانت تساند عبدالناصر في معاداته لحلف بغداد، فيما حكومة العراق هي الراعي العربي الرسمي للحلف.
    بخلاف الانطباع السائد عن سعي الأردن إلى إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية، تُظهر الوثائق المنشورة أن هذا الأمر وإن كان مطلبا أردنيا لحكومة سليمان النابلسي تحديدا، إلا أنه وفي مرحلة لاحقة أصبح هدفا لحكومة بريطانيا التي كانت تواجه في ذلك الوقت أوضاعا اقتصادية صعبة، وانحسار نفوذها الاستعماري. وقد ضغطت بقوة لتسريع إجراءات إلغاء المعاهدة، ومن ثم نقل مسؤولية مساعدة الأردن للقوة العظمى الصاعدة، وهي الولايات المتحدة الأميركية.
    ثمة تفاصيل مثيرة تكشفها الوثائق، لا يمكن الإحاطة بها في مقال، وتستدعي من المهتمين قراءة الكتاب. لكن أكثر ما يبهر فيما كشفته المراسلات، هو شخصية الملك الحسين رحمه الله.





    [10-12-2016 08:56 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع