الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    سياسيون محترمون!

    نماذج من الصعب الحصول عليها في العالم العربي، لكن ليس من الخطأ أن نقرأ عنها ونتشوّق ليوم نجد فيه مثل هذه الثقافة والعملية السياسية التي أنجبتهم وأفرزت سلوكهم!
    بعد أن فشل في الاستفتاء الذي حدث في إيطاليا على برنامجه الإصلاحي للتعديلات الدستورية، قبل أيام، قرّر رئيس الوزراء هناك، ماتيو رينزي، تقديم استقالته، كما وعد. واعتبر مراقبون أنّ ما حدث مؤشر سلبي، مثله مثل الاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي (استفتاء "البريكسيت") في حزيران (يونيو) الماضي، الذي دفع برئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، إلى الاستقالة. كما ربطوا الأمر بنتائج الانتخابات الأميركية التي أدت إلى فوز دونالد ترامب. وهي جميعاً أحداث تؤشّر على انتصار تحقق للاتجاهات اليمينية والشعبوية (يمين اليمين).
    ما يزال السيناريو المقبل في إيطاليا غير محسوم. لكن هناك أكثر من طرف يحاول الاستفادة من هزيمة رينزي، سواء اليمين الإيطالي، أو الحركة الشعبوية الصاعدة التي تسمى "النجوم الخمسة".
    على الطرف المقابل، لم يستطع اليمينيون والشعبويون تحقيق انتصار في الانتخابات النمساوية الرئاسية الأخيرة، والتي فاز فيها مرشح حزب الخضر وزعيمه، فان دير بيلين. لكن ذلك لا ينفي صعود اليمين المتطرف هناك، إذ خسر زعيمه نوربرت هوفر بفارق ضئيل.
    خسارة كل من ديفيد كاميرون سابقاً، وماتيو رينزي مؤخراً، تسجّلان -في العموم- لصالح التيارات اليمينية والشعبوية، وتعززان التفكك داخل المنظومة الأوروبية، وتحملان في ثناياهما مخاوف بشأن الموقف الأوروبي من الهجرة واللاجئين، وتفاقم مشكلات البطالة والفقر، والقلق من الإرهاب. وفي الوقت نفسه، هكذا خسارتان تستبطنان مصالح الطبقة الوسطى القديمة المهددة بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة.
    بالطبع، العين ستتجه إلى الانتخابات الفرنسية في العام المقبل، مع وجود مارين لوبان في سباق الرئاسة؛ زعيمة الجبهة الوطنية التي تمثل اليمين المتطرف هناك.
    وثمة دلالات استراتيجية خطرة لصعود اليمين والشعبوية في أوروبا، ونحن أمام مرحلة فاصلة ليس فقط على صعيد الاتحاد الأوروبي، بل السياسات العالمية، ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً.
    لكن على هامش تلك الدلالات من المفيد أن نستحضر نماذج ديمقراطية مشرّفة لرجال الدولة، كما فعل كل من كاميرون ورينزي اللذين فضّلا الاستقالة والخروج من اللعبة السياسية، عندما فشلا في تسويق برامجهما ومشروعاتهما في استفتاءات شعبية، ولم يكونا بحاجة من الناحية الدستورية والقانونية إلى فعل ذلك، لكنه التزام أدبي بتحمل مسؤولية القرارات والخيارات.
    مثل هذا السلوك يثيرنا في العالم العربي، خاصة أولئك المحتفين بفوز الشعبويين وتأثير ذلك على مستقبل المنطقة، وترجيح كفّة أشخاص مثل الأسد والمستبدين. إلاّ أنّ الاحتفالات (وأغلبها يسارية يا للغرابة!) بفوز اليمينيين تتناسى النموذج الحضاري الرفيع الذي قدمه كل من كاميرون ورينزي في الاستعداد للتخلي عن السلطة والموقع فقط لعدم نجاح اقتراحاتهما في الشارع، فكيف تكون هناك مقارنة مع من شرّد نصف شعبه (داخلياً وخارجياً) وأصبح أداة في يد قوى إقليمية ودولية؛ أو مع من يزجّون عشرات الآلاف من المواطنين في السجون لمجرد التظاهر أو الاختلاف في الرأي؟!
    نموذج كاميرون ورينزي مفيد لطلبة السياسة، ليدركوا الفرق بين مخرجات العملية الديمقراطية والبنية الحزبية والسياسية الحقيقية وبين السياسيين الزائفين الذين يرونهم؛ فلا توجد أدنى مشكلة لدى أيّ سياسيّ عربي أو أردني أن يلقي وراء ظهره كل ما كان يقوله أو يلتزم به سابقاً، فقط للحفاظ على الكرسي والمنصب، من دون النظر إلى مدى قدرته على تحقيق مشروعاته وأفكاره، إن كان أولاً صادقا فيها، أو كانت لديه مثل هذه الرؤى عندما وصل إلى السلطة!
    المسؤول السياسي المحترم، بالمعنى السياسي والأخلاقي والديمقرطي، هو الذي يلتزم ببرنامجه ومواقفه. ومن هنا يكتسب الموقع أهميته ومكانته!





    [07-12-2016 08:38 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع