الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    العنوان الكبير في خطاب الملك

    نأى الملك عبدالله الثاني بنفسه عن السجال المحتدم في أروقة الأمم المتحدة حول الأزمة السورية. فبينما كان فريق من الغرب والعرب، بقيادة الرئيس الأميركي باراك أوباما، يتبارى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته، بشأن الأولويات في سورية؛ الحرب على "داعش" أم رحيل الأسد، حرص الملك في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على التذكير بجوهر المشكلة في المنطقة والعالم، والمتمثل في التطرف والإرهاب، وما يجرانه من ويلات على الشعوب.
    عمليا، وضع الملك الحرب على التطرف، وعنوانها "داعش"، كأولوية. لكن ليس بوصفها مواجهة عسكرية فحسب، وإنما حربا فكرية وأيديولوجية، تستدعي استنفارا إسلاميا وعالميا لاستعادة زمام المبادرة من جديد، والاستجابة للتحدي القائم بجهد دولي، لا يراه الملك متوفرا بالقدر المطلوب حاليا.
    الخطاب، إذا جاز التعبير، كان أخلاقيا أكثر منه سياسيا، مثلما اعتدنا في هذه المناسبات. لقد تجنب عن عمد الخوض في تفاصيل الأزمات القائمة في سورية والعراق وأقطار عربية أخرى، وفضل التركيز على العنوان الكبير العابر لكل تلك الأزمات، والجامع لها في الوقت ذاته، وهو التطرف.
    إن القوى المنشغلة والمنخرطة في الصراعات، لا تعي أن المتطرفين يستثمرون، وبنجاح، الانقسام العالمي الحاصل، وصراع القوى على مصالح ضيقة في هذا البلد أو ذاك.
    خطاب الملك كان في واقع الأمر صرخة لأولئك جميعا، للانتباه بأنه وفي الوقت الذي تدور فيه حرب كلامية بين الشرق والغرب حول الأولويات والمصالح، ثمة موجة عالية التردد من التطرف تسيطر على الأجواء. وقد لا يخرج العالم كله سالما من تداعياتها الكارثية، إذا لم يتحرك الجميع لإعادة الاعتبار لقيم الاعتدال والتسامح، والعودة للجوهر المشترك، كما قال جلالته، وتجاوز حالة اللامبالاة من جانب القوى المعتدلة في العالم أجمع.
    حتى وقت قريب، لم يكن العالم البعيد يشعر بمخاطر التطرف والفوضى، مثلما يشعر بها زعيم عربي يكافح من أجل استقرار بلاده وسط بحر من الدماء والحروب من حوله. بلد يجاور المتطرفين والإرهابيين من الشمال والشرق، ويعيش يوميا مع خطر اندلاع حرب دينية وقومية بسبب سياسات إسرائيل الكارثية في القدس. لكن أصابع الغرب بدأت تحترق بنيران المنطقة، بعد أن فاضت حدوده باللاجئين السوريين، وطالته يد الإرهاب.
    وقد تكون لحظة سانحة بالفعل لمخاطبة زعماء العالم المجتمعين في نيويورك بهذه اللهجة التي تحدث بها الملك من على المنبر الأممي، بعد أن أصبحوا أكثر إدراكا لخطر التطرف، وما يعنيه انتصار الإرهابيين على بلدانهم.
    لم يفوّت الخطاب الملكي مسألتين في غاية الأهمية بالنسبة للأردن: القدس، وملف اللاجئين السوريين. في شأن القدس، ضم الملك صوته إلى أصوات المسلمين والمسيحيين الرافضة والمنددة بالتهديدات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الحرم القدسي الشريف، مذكرا بالوصاية الهاشمية على المقدسات، وما تمليه من واجب ومسؤولية.
    وفي قضية اللاجئين، عرض الملك بشكل موجز ما يعنيه هذا التحدي لبلد مثل الأردن، والحاجة إلى وقفة حقيقية من طرف المجتمع الدولي لمساعدته على تحمل هذا العبء الثقيل.
    المتطرفون قطرة في محيط من الصالحين، كما قال الملك. لكن إذا لم يتحرك العالم دفاعا عن قيمه الإنسانية، فلن تبقى قطرة في المحيط.





    [30-09-2015 12:53 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع