الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    "رجع الصدى"

    بالتزامن مع التحذيرات الأردنية من الاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بأنّ الهدف الإسرائيلي المتمثّل في تقسيم "الأقصى" مكانياً وزمانياً "لن يمرّ". لكن السؤال المطروح على عباس: كيف يمكن بالفعل إيقاف هذا المشروع الإسرائيلي التدرّجي لتأسيس واقع جديد في المسجد الأقصى، يمهّد الطريق لتعزيز "الادعاءات الإسرائيلية" بالإرث التاريخي في مكان المسجد؟!
    اليوم، الأردنيون والفلسطينيون وحدهم في الميدان؛ دبلوماسياً وشعبياً. فهذا الاقتحام يأتي في ظل لحظة سقوط عربي غير مسبوقة، والخليج منشغل تماماً في اليمن، ومصر وسورية والعراق بقضاياها الداخلية المصيرية، فيما تحاول الإدارة الأميركية استرضاء إسرائيل بعد توقيع الصفقة النووية مع إيران في طريقها للعبور من الكونغرس؛ أيّ إنّ قضية المسجد الأقصى اليوم، وباختصار، في "المقعد الخلفي" من العربة الدولية والإقليمية والعربية!
    هذه المعطيات مهمة تماماً في تعريف، أولاً، الأهداف المقصودة من التصعيد الإسرائيلي الراهن. وثانياً، في تحديد التداعيات المتوقعة له. وثالثاً، في رسم خطوط "المواجهة" المطلوبة معه على أيّ مستوىً كان.
    على صعيد الأهداف الإسرائيلية، فإنّ هناك ربطاً كبيراً بين التصعيد الراهن وعيد رأس السنة اليهودية، الذي بدأ الاثنين وينتهي مساء الثلاثاء؛ إذ تزداد الجرعة الدينية عند اليهود ويتكاثر زوّار المسجد الأقصى منهم.
    لذلك، فإن اليوم الأربعاء بمثابة مؤشر مهم في تحديد المدى الذي يسير عليه التصعيد الإسرائيلي؛ فيما إذا كان ما أكّد عليه نتنياهو صحيحاً بأنّه "يريد الحفاظ على الوضع الراهن في القدس"، أم أنّنا أمام مرحلة جديدة يتم فيها التمهيد والتحضير للتقاسم الزماني والمكاني، في استثمار للحالة العربية الراهنة، وعبر فرض هذا الواقع بالتدريج، من خلال عمليات "ترويض" مستمرة.
    أمّا على صعيد التداعيات السياسية، فبالرغم من أنّ أهداف الاقتحام دينية-أيديولوجية، إلاّ أنّنا في العالم العربي والإسلامي، وفي الصراع العربي-الإسرائيلي تحديداً، لا يمكن الفصل بين المجالين الديني والسياسي. بل على النقيض من ذلك تماماً؛ فإنّ الأبعاد السياسية المترتبة على القضايا الدينية والرمزية خطيرة جداً، وتترتب عليها نتائج كبيرة. وحدث ذلك سابقاً عندما اندلعت الانتفاضة الثانية العام 2000، بعد زيارة شارون الاستفزازية للمسجد الأقصى. وهو أمر ليس مستبعداً حدوثه البتّة، ويمكن أن يتأجج لأي حادثة بسيطة أو صغيرة في المدينة المقدّسة.
    الأردن يمتلك أوراقاً أكثر من السلطة الفلسطينية على الصعيد الدبلوماسي والدولي، من قبيل دعوة وزراء الخارجية العرب، وإثارة القضية دولياً بصورة أكبر، والضغط على إسرائيل دبلوماسياً، وصولاً إلى إجراءات تصعيدية.
    لكن في حال بدأت المؤشرات تُظهر -بوضوحٍ أكبر- تطبيقاً لـ"النوايا الإسرائيلية" الدفينة، فإن من الضروري أن يتم التفكير فلسطينياً وأردنياً بتحريك إحدى أبرز أوراق القوة وإطلاق "ربيع القدس والأقصى"، أي ثورة شعبية فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ذات خطاب سياسي وإعلامي مدروس وذكي، لإشعار الإسرائيليين بأنّ النتائج وخيمة.
    الورقة الأخرى التي من المفترض استثمارها إعلامياً وسياسياً بصورة مدروسة وجديّة، تتمثل في التلويح بخطر "داعش" الذي ينمو من رحم الاعتداء الصهيوني، عبر شعور آلاف الشباب العربي بفشل الحكومات في الدفاع عن القدس والمقدسات، فكيف يمكن أن يكون الأردن والعرب شركاء في محاربة هذا التيار الأصولي فيما تغذّيه الأعمال الإسرائيلية من الجهة الأخرى؟!
    من المهم أن تكون الرسالة واضحة، تذكّر الناس بأنّ القضية الفلسطينية ستبقى عاملاً أساسياً من عوامل صعود الجماعات الراديكالية؛ وما يترتب على العدوان الإسرائيلي من "رجع الصدى" الخطير، قد يهدد أمن المجتمعات الغربية والأمن الإقليمي بأسره، فالكل يدفع ثمن مجموعة من المتطرفين الإسرائيليين المدعومين من اليمين الحاكم في إسرائيل!





    [16-09-2015 11:10 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع