الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    أيها الرئيس: أنقذوا البترا!

    في غمرة حماستنا المفرطة للحرب على الإرهاب والتأكيد على دور الأردن المحوري فيها، خلطنا أوراقنا، واختلطت الأمور على المواطنين الغربيين؛ إذ أصبح هؤلاء يعتقدون أنّ الأردن يخوض حرباً عسكرية مباشرة مع تنظيم "داعش"، وأنّ المملكة تحت التهديد، ومكان خطر جداً للسياحة، فحدثت حالة استنكاف وعزوف كبيرة لدى السياح الغربيين، ما ضرب السياحة الأردنية في الصميم.
    تحوّلت المشاركة الأردنية الرمزية في هذه الحرب إلى كابوس لمدينة لبترا وللسياحة الخارجية في الأردن عموماً. ولم نتنبه إلى هذه الزاوية المهمة في الخطاب السياسي والإعلامي؛ فكثير من الغربيين يرون المنطقة بصورة مجملة صمّاء، من دون تمييز، بخاصة أنّنا محاطون اليوم بالفوضى السورية والعراقية وبمناخات القلق اللبنانية، فيما لم تتأثر السياحة إلى إسرائيل أو حتى تركيا، بالرغم من أنّهما تعيشان في المنطقة نفسها، وتواجهان الأخطار ذاتها. وهي قضية كان من المفترض أن تكون موضع اهتمام ودراسة من قبل الحكومة وقطاع السياحة ورجال الأعمال، لكنّ للأسف ذلك لم يحدث، كالعادة!
    ربما هذا يقودنا -بالإضافة إلى تخبط خطابنا الإعلامي، وفشلنا في الترويج لآثارنا، كما نحن فاشلون تماماً في إدارتها واستثمارها وحمايتها (كما ذكرنا أمس)- إلى دور مفقود تماماً تناولته القارئة بسمة الهندي في تعليقٍ سابقٍ لها على مقال للزميلة جمانة غنيمات، والمقصود هنا دور السفارات الأردنية في الترويج للأردن وتقديمه سياحياً واستثمارياً. فهذه المهمة للسفارات معطّلة تماماً، وما تجده لدى السفراء من "مادة دعائية" في هذا الباب، بمثابة صور بدائية وكتيبات سطحية تدفع إلى العزوف عن زيارة الأردن وليس العكس!
    ما نأمله من رئيس الوزراء ووزير الخارجية، هو أن يستغلا مؤتمر المغتربين ولقاء السفراء (على هامشه) في نهاية الشهر الحالي، لبحث هذه القضية المهمة: كيف نقدم الأردن بوصفه دولة آمنة وسط محيط من الفوضى والحروب؟ كيف تروّج السفارات هذه الرواية بصورة علمية دقيقة وعميقة؟ كيف نطوّر عمل الدبلوماسيين؟ ما هو دور المؤسسات الأكاديمية والإعلامية والثقافية في بناء الرواية الأردنية؟ كيف يمكن أن نقدّم المادة المناسبة للدبلوماسيين؟ وما هو محتوى هذه المادة؟ من يكتبها ويقدمها؟.
    هذه ليست قضايا ثانوية، بل تقع في صلب إنقاذ الاقتصاد الوطني، وأحد أهم أعمدته هي السياحة في دولة تفيض بالهبات التاريخية والفنية. لكن هذا العمود بحاجة إلى ترميم وصيانة واهتمام خاص، هو خارج اهتمام المسؤولين والوزراء والمعنيين!
    يمكن أن تتحول البترا (وما حولها، مثل وادي رمّ ومناطق البادية الجميلة الفريدة) بالفعل إلى حلم جميل؛ إلى مسرح للموسيقيين والرسّامين، ومعتكف للكتّاب والأدباء، وأن تكون البترا وحضارتها مادّة لإنتاج فنّي أردني مرموق، ومساحة خصبة للتأريخ ولقصة الحضارة في الأردن، ولحديقة وردية، ومورداً اقتصادياً خصباً، كما هي حال جرش وعجلون والمغطس ومقامات الصحابة وأم قيس والأغوار والشوبك والعقبة والكرك!
    الدور المفقود الآخر في هذا المجال، يتمثّل في حلقة الوصل بين الكليات المعنية والآثار. فما قيمة أقسام الآثار والسياحة والفندقة وكليات المجتمع والفنون والآداب، وحتى الاجتماع والاقتصاد والتنمية، وبماذا نستفيد من الأكاديميين الأردنيين في المجالات السابقة والتاريخ، إذا لم نستفد منهم في هذه الثروة العظيمة؟! لذلك، أقترح أن يتم نقل جزء كبير من هذا "المجال الأكاديمي" إلى تلك المناطق، وتجسير الفجوة بين المعرفة والواقع المحلي. فهل يفكّر المسؤولون ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ووزراء الثقافة والسياحة والإعلام بهذه النقلة النوعية؟!
    أيّها الرئيس، إذا كنّا نبحث عن مشروع وطني حقيقي يضعنا على الطريق الصحيحة، ويحلّ كثيراً من المشكلات الاقتصادية والتنموية ويربط الجميع، فهو مشروع تحويل البترا وأخواتها إلى حلم، بعد أن أصبح واقعها كابوساً!





    [25-07-2015 03:35 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع