الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    المعنى في "بطن البيان"

    الرسالة الحقيقية، والمغزى الجوهري للقرارات الأخيرة -استقالة وزير الداخلية، وإحالة مديري الأمن العام والدرك إلى التقاعد- يظهران في "البيان المقتضب" الذي أصدرته الحكومة للإعلان عن خبر استقالة الوزير مباشرة.
    معان هي بيت القصيد، وما حدث في الأيام الماضية هو السبب المباشر والرئيس لهذه القرارات، التي ترافقت مع بيان غير مألوف في التقاليد السياسية الأردنية، لكنّه مقصود بذاته، وله هدف واضح ذُكر صراحةً، وهو "تقصير إدارة المنظومة الأمنية، المتمثلة بالأمن العام وقوات الدرك، في التنسيق فيما بينهما، في قضايا تمس أمن المواطن واستقراره، في الوطن الغالي، والتي لم تتم معالجتها بالمستوى المطلوب".
    هذا الشقّ الأول من الرسالة: غير مسموح بالتقصير، وستكون هناك مساءلة ومحاسبة، ولن يتم التعامل مع "صراع أقطاب القرار" وسوء التنسيق بينهم على قاعدة الاسترضاء والتغاضي، ولن يُسمح بذلك، كما حدث في مرّات سابقة، بما يطاول هيبة الدولة ومؤسساتها وسمعتها.
    الشق الثاني من الرسالة هو إلى الرأي العام، ويتلخّص بـ"ضرورة ترسيخ سيادة القانون، وتعميق مبدأ الأمن للجميع، وعدم التهاون مع من تسول له نفسه العبث بالمبادئ التي قامت عليها هذه المملكة المستقرة، أو الاعتداء على ممتلكات الدولة والمواطنين الآمنين، أو المحرضين على الفتن والنعرات".
    ما حدث في معان من اختطاف سيارة لأحد الأجهزة الأمنية من قبل مطلوبين، ورفع علم "داعش" عليها مناكفةً للدولة؛ وما تخلل ذلك من عجز أمني عن الإمساك بالفاعلين، وإلقاء القبض عليهم، أغضب صانع القرار إلى درجة كبيرة. لكن الحملة الأمنية التي تلت ذلك لم تكن أفضل حالاً، وأظهرت سوء تخطيط وغياب للتنسيق بين الأجهزة الأمنية، ما دفع إلى هذه القرارات الحاسمة.
    لا توجد كلمات سرّ، ولا يحتاج البيان إلى تأويل؛ ويمكن تلخيص ذلك بكلمة واحدة واضحة، هي "هيبة الدولة". إذ يقول مسؤول مطّلع جيداً إنّ هناك إجراءات عديدة، غير معلنة، اتّخذت خلال الأشهر الماضية، تتحرّى جميعها إعادة الهيبة للدولة، وإعادة بناء صورتها وترسيخ قوتها، بعد أن شهدت الأعوام السابقة انفلاتاً أمنياً وسياسياً ملحوظاً، سواء عبر ظواهر انتشار سرقة السيارات وبعض البؤر المتمرّدة، وعنف الجامعات، والعنف المجتمعي، والاعتداء على الماء والكهرباء وعلى قاعات امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، كما احتجاجات غير مقنعة تستقوي على الدولة ومؤسساتها.
    السياسات التي تمّ تبنيها ومنحها أهمية قصوى من المرجعيات العليا، تتمثّل في ضرورة استعادة الهيبة بالتدريج وبهدوء، لكن بقوة وحسم. وقد حدث ذلك بشأن "التوجيهي"، والمياه، وفي الحملات الأمنية ضد المطلوبين الخطيرين، كما الحدّ من ظاهرة سرقة السيارات. ويتم النظر إلى بعض الاحتجاجات غير المقنعة والفوضوية في السياق نفسه.
    هيبة الدولة، أو فرض القانون، هي القضية الرئيسة التي شغلت مراكز القرار العليا، وبدرجة كبيرة، وفقاً لهذا المسؤول. وجرى ترسيم السياسات المطلوبة من القضايا العامة، وصولاً إلى التفاصيل الصغيرة والشكلية. وهو ما تناقض تماماً مع القصة التي حدثت في معان، بما أدى إلى القرارات وما تستبطنه من رسائل مختلفة.
    لا علاقة لهذه القرارات بمسألة بقاء الحكومة أو استقالتها؛ إيجاباً أو سلباً. لكن يشي بيان الحكومة بقرارات محتملة على صعيد "التنسيق بين الأجهزة الأمنية وقيادتي الأمن والدرك".
    القرارات استثنائية في طبيعتها وأسلوبها، وفي البيان الذي تلاها. وهي مؤشر مهم على أنّ هناك قراراً حاسماً بالتعامل مع ظاهرة "التنمّر" على الدولة، وسياسة جديدة في مساءلة المسؤولين المعنيين ومحاسبتهم.





    [19-05-2015 02:02 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع