الرئيسية أحداث صحية

شارك من خلال الواتس اب
    حالة الصحة النفسية في الاردن "تدق ناقوس الخطر"

    أحداث اليوم -

    شعر رامي كما لو انه ضُبط متلبسا بجُرم يَجلب العار عندما صَدَفًه طبيب صديق له أثناء كان يهم بمراجعة العيادة النفسية في احد المستشفيات الحكومية.

    يومها كانت العبارة التي قفزت إلى لسانه وهو يرد على سؤال صديقه عن سبب وجوده في المستشفى، انه يعاني من “ورم في الدماغ”.

    يقول رامي وهو يتذكر الحادثة التي مضى عليها خمس سنوات، انه كان أسهل عليه ان يقول لصاحبه ذلك على ان يصارحه بحقيقة انه يراجع العيادة النفسية.

    وهو كما يوضح، لم يكشف السبب الحقيقي لانه يدرك “نظرة المجتمع وتاويلاته لمعنى الحالة او المرض النفسي”، فضلا عن خشيته على وظيفته ان ذاع الامر، حيث ان الشركة التي يعمل فيها تشترط على الموظفين شهادة خلو من الامراض البدنية او النفسية.

    ورامي، وهذا ليس اسمه الحقيقي، هو نموذج لقطاع تصل نسبته الى نحو 20 بالمئة من الاردنيين الذين يقول الخبراء انهم يعانون اضطرابات نفسية، ولكن غالبيتهم الساحقة تحجم عن التقدم للعلاج بسبب الثقافة المجتمعية السائدة.

    وهذه الثقافة التي لا ترحم تصنف الذين يعانون امراضا نفسية باعتبارهم اشخاصا غير مرغوب بهم سواء على مستوى المصاهرة او العمل او حتى الصداقة.

    بل ان اي عائلة قد يُعرف عن فرد فيها معاناته من مرض نفسي، تصبح منبوذة باكملها، فلا يتقدم احد للزواج من بناتها ولا تقبل بقية العائلات تزويج ابنائها.

    ثقافة معرقلة
    وكما يؤكد اخصائي الطب النفسي محمد الحباشنة فان هذه الثقافة متجذرة ولا تزال تشكل عائقا امام تطور قطاع الصحة النفسية في الاردن.

    ويقول الحباشنة انه “حتى في حوارتنا نبتعد عن الأحاديث التي قد تؤدي الى تطرقنا لحالات نفسية مررنا بها وكأنها وصمة عار تسجل على جبين الشخص، على الرغم من أن المرض النفسي أمر ديناميكي، جميعنا في وقت من الأوقات قد تكون كفاءتنا (النفسية) أقل”.

    ويضيف الحباشنة ان “التنشئة أيضا لم تحاول تغيير الصورة النمطية للطب النفسي، فالأهالي يطلقون مصطلحات تنفر من هذا الطب، وعدم ادخال مواد تتعلق بالصحة النفسية في المقررات المدرسية والجامعية كجزء أساسي من التعليم يجعل منه أمرا منسيا عند الطلاب وغير مهم حين يكبرون”.

    وكما يبين الحباشنة، فان امتناع المرضى النفسيين عن طلب العلاج، جعل الاطباء والممرضين يحجمون عن دراسة هذا التخصص، ما ادى الى نقص الكوادر وبالتالي بقاء قطاع الصحة النفسية متخلفا في الاردن.

    ويضيف سببا اخر يتعلق بسياسة التعليم في كليات الطب، والتي يقول انها لا تشجع على التوجه نحو تخصص الطب النفسي.

    ويوضح ان “التعليم في كليات الطب لا يعير لنفس الانسان سوى شهر واحد من أصل ست سنوات لتعلم الطب باعطاء الطالب جولة على مراكز الطب النفسي، الأمر الذي يجعل الطبيب لا يفكر في التخصص في هذا المجال”.

    ويؤكد الحباشنة أن “المدخلات التعليمية في الطب النفسي وعلم النفس ضعيفة وتؤدي الى مخرجات ضعيفة أيضا”

    ويضيف ان وزارة الصحة تلعب دورا سلبيا ايضا، حيث انها لا تاخذ قطاع الصحة النفسية “على محمل الجد..ولا تضعه ضمن اولوياتها”.

    ويقول ان “القطاع الحكومي يوفر مجانية العلاج النفسي للمواطنين الحاصلين على التأمين ضمن كوادر طبية جيدة لكتها شحيحة، ومقتصرة على مراكز وعيادات محددة قد تستقبل ما يقارب 80 مراجع يوميا”.

    ويؤكد الحباشنة ان هذا العدد لا يمكن معالجته بالشكل الصحيح “فالطب النفسي طب شمولي يحتاج الى وقت وعناء وتعمق، وفي ظل المراجعات المتكررة مقارنة بالعيادات وأعداد الاطباء فان المراجعين سيتلقون وصفات طبية أكثر من تلقيهم علاجا نفسيا”.

    فجوة كبيرة
    ومن جانبه ايضا، يؤكد رئيس جمعية الأطباء النفسيين الأردنيين الدكتور وليد شنيكات، ان بعض وسائل الاعلام وكذلك الدراما التلفزيونية لعبت دورا مهما في تدني الوعي بالصحة النفسية، عبر تصويرها الطبيب النفسي وكأنه “مجنون” بالاضافة الى التنفير من شكله العام حيث أظهرته “منكوش” الشعر يعاني من أمراض نفسية كالجنون.

    كما يتفق شنيكات مع الحباشنة في ان قلة الكوادر تمثل تشكل هي الاخرى واحدة من اهم المشكلات التي يواجهها قطاع الصحة النفسية في الاردن.

    ويقول في هذا الصدد ان “مؤشر الكادر الطبي المختص في الأردن فقير جدا” مقارنة مع المستويات العالمية،

    ويوضح ان هناك 10 أطباء لكل مئة ألف مواطن في الاردن، في حين ان الدراسات ومنظمة الصحة العالمية تؤكد أن عدد الأطباء يجب ان يكون بين 20-30 لكل 100 ألف مواطن.

    وبحسب تقرير اعده الفريق الوطني لدراسة وضع قطاع الصحة النفسية في الاردن، فان عدد الأطباء النفسيين في المملكة يبلغ 56، أي بواقع طبيب لكل 100 الف مواطن.

    أما الاخصائيون النفسيون، فبلغ عددهم 41، أي بواقع 0.16 لكل 100 الف مواطن.

    والطبيب النفسي هو من درس الطب العام ثم تخصص في الطب النفسي، اما الأخصائي فهو من درس علم النفس وتخصص في أحد فروعه.

    وفي ما يتعلق بكوادر التمريض النفسي فكان العدد 100، أي نحو 0.04 لكل 100 الف مواطن.

    اما بالنسبة للبنية التحتية، فقد بينت الدراسة وجود 64 عيادة خارجية للصحة النفسية، وان إجمالي عدد الأسرة بلغ (569) منها (200) في مركز الفحيص الوطني و (50) في مركز الكرامة و (70) في مركز الإدمان و (30) في الخدمات الملكية و(70) في مستشفى الرشيد.

    أي ان هناك سريرا واحدا لكل 100 الف مواطن.

    وكما ببين شنيكات فان الأرقام العالمية تظهر أن نسبة المرضى النفسيين في المجتمعات تتراوح بين 15-20%، لا نعالج منهم سوى 5% لاعتبارات عديدة أهمها النظرة المجتمعية للطب النفسي.

    وقد وصف تقرير الصحة النفسية لمنطقة شرق المتوسط الصادر عن منظمة الصحة العالمية التفاوت بين عدد من يحتاجون إلى العلاج النفسي ومن يحصلون عليه فعليا، بانه “مفزع”، مشخصا بذلك ما يطلق عليه الفجوة العلاجية.

    وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن حجم الفجوة العلاجية في ما يتعلق بمرض الاكتئاب مثلاً يصل إلى 95%، وفي حالات الفصام 80%، وفي حالات الصرع يتراوح ببن 60 و98%. 28

    علاج مكلف
    وفي ذات السياق، يؤكد نقيب الأطباء الأردنيين أحمد العرموطي ضرورة زيادة عدد الأطباء وتكثيف الرعاية النفسية للمواطنيين لا سيما في القطاع الحكومي وذلك عن طريق زيادة عيادات المعالجة النفسية في جميع المحافظات.

    ويعتبر العرموطي ان الحاجة الى كل ذلك باتت ملحة الان اكثر من اي وقت مضى، وذلك في ظل “الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الأردني، الأمر الذي يتسبب بالتوتر وازدياد الضغط النفسي”.

    ويرى نقيب الاطباء ان تكاليف العلاج في العيادات النفسية الخاصة مرتفعة، وهو ما يحتم على وزارة الصحة القيام بواجبها عبر توفير تلك الرعاية.

    ويشكو مواطنون من أن الكلفة المالية العالية تمنعهم من مراجعة الاطباء النفسيين، لا سيما وأن جميع تامينات القطاع الخاص تقريبا لا تشمل الصحة النفسية التي تعامل باعتبارها أمرا كماليا كالعلاج التجميلي.

    وهذا الامر يؤكده اخصائي الطب النفسي الحباشنة، والذي يرى أن شركات التأمين تتعاطى مع القطاع النفسي على اعتباره رفاهية، وحين تتعاقد مع الأطباء النفسيين فانها تخصص لهم اجورا زهيدة مقارنة بالجهد الذي يبذلونه.

    على ان مسألة تكاليف العلاج النفسي تظل نسبية، حيث يرفض الأطباء والاخصائيون اعتبارها مرتفعة، ويجادلون بان الوقت الذي يخصص للمريض طويل مقارنة مع الاختصاصات الاخرى كما ان الجهد الذي يبذله الطبيب يكون مضاعفا لانه يتعامل مع جوهر الانسان وليس احد أعضائه.

    لا بل ان الحباشنة يرى أن أحد أسباب احجام الطبيب العام عن التخصص في الطب النفسي هو “المردود المالي الذي يعتبر قليلا مقابل المردود المالي لبقية الاختصاصات”.

    وفي ذات السياق يؤكد اخصائيون أن سبب هجرة الكفاءات في القطاع النفسي الى دول عربية واجنبية أخرى هو اغراء ما تتيحه تلك الدول من رفاه معيشي افضل.

    قوانين قاصرة
    وفيما يكفل الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للانسان حق الصحة النفسية والجسدية، فان وزارة الصحة مقصرة في الجانب النفسي كما يؤكد وليد سرحان ممثل الشرق الأوسط في الجمعية العالمية للأطباء النفسيين.

    ويقول سرحان أن تعريفات منظمة الصحة العالمية لم تعتبر أن الصحة تعني الخلو من الأمراض (العضوية) فقط انما حالة من الرفاه النفسي والجسدي والاجتماعي ونوعية الحياة الاجتماعية التي يعيشها الفرد.

    ولكنه يؤكد ان الحاصل في الاردن ودول كثيرة حول العالم هو ان “الأوليات في الموازنة توضع للصحة الجسدية، دون الاهتمام بالبعد النفسي والاجتماعي”.

    ويقول ان وزارة الصحة في الاردن “لم تبذل جهدا على صعيد المواطنين، وعلى صعيد العاملين في المهن الصحية ويعني ذلك العاملين في أقسام الطوارىء ومراكز الصحة الأولية”.

    ومن جانب اخر، فان سرحان يجد أن منظومة من القوانين الأردنية يجب تعديلها لتراعي الجانب النفسي للانسان وتوليه اهتماما.

    ويستشهد على ذلك بقانون العقوبات الذي “يهمل الجانب النفسي للمتهم، فانه اذا تبين للمحكمة أن المتهم بجريمة ما يعاني من اضطراب نفسي بحسب تقرير طبي مقدم من طبيبين حكوميين تأمر المحكمة بحجزه في مستشفى الأمراض النفسية على أنه مجنون”.

    وهذا الأمر، بحسب سرحان، مخالف لجميع المعايير الدولية فهذا القانون يعتبر أن الانسان اما عاقل أو مجنون دون النظر لحالة نفسية قد يكون المتهم ارتكب جريمته تحت تأثيرها وتخفف عنه المسؤولية ولا تعفيه منها،

    واهمال الصحة النفسية لا يفقد الانسان حقه في الصحة وحسب، انما حقه في الحياة المكفول له في الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الاردن، كما يرى سرحان الذي يشير في هذا الصدد الى التعامل القضائي مع حالات الانتحار.

    حيث يقول ان “ملفات قضايا الانتحار تغلق عند المدعي العام ان اعترف من حاول الانتحار أنه الجاني والمجني عليه، دون الاكتراث الى حالته النفسية أو متابعة طبيب نفسي له، الأمر الذي يؤدي الى ازدياد حالات الانتحار”.

    يشار الى ان المركز الوطني لحقوق الإنسان في آخر تقرير له عن العام 2011 أوصى بضرورة اعتبار الصحة النفسية جزء أساسي من خدمات الرعاية الصحية، وزيادة عدد المراكز التي تعنى بالصحة النفسية لتغطي كافة أقاليم المملكة، وإيجاد خدمات صحية للأطفال دون سن 18 عاما حيث لا تتوفر لهم الخدمات إلا عن طريق العيادات النفسية، بالإضافة إلى الإسراع في إنشاء مبنى مركز التأهيل النفسي (كرامة) ونقل مرضى التخلف العقلي منه الى وزارة التنمية الاجتماعية كونها صاحبة الاختصاص برعاية ذوي الاعاقة من المرضى.





    [12-05-2015 11:30 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع